رغم الألم!


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 27 يناير 2010 - 10:46 ص بتوقيت القاهرة

 رغم أننى لا أستطيع الكتابة اليوم لأسباب شخصية، فإننى قررت فجأة الكتابة عما أشعر به، سأكتب عن ذلك الألم الذى لم أعهده من قبل، أصدق دوما مرضاى حين يتحدثون عن ألمهم النفسى، وسأصدقهم بعد ذلك أكثر لأننى أختبر اليوم أعمق ألم يمكن أن أمر به فى حياتى الشخصية.. سأكتب اليوم عن آلية الخروج من الألم.

أعرف أن كلا منكم اختبر فى حياته ألما شخصيا، ألم يتجاوز طعم الشجن ونسج الحزن، ألم يوازى فقد حياته بأكملها، دعونى أقول إنى أتحدث عن نوعين من الألم كما يسميهم علماء النفس، الألم الحاد والألم المزمن.

حين نفقد من نحب، حين نختبر موت حبيب أو صديق عزيز نمر بالألم الحاد، ذلك الذى يجعلك تشعر بالانهيار، تتخبط بعنف، تكاد أن تفقد السيطرة على حياتك، وهناك الألم المزمن الذى يمكنك التعايش معه، أن تستيقظ لتكتشف أنك مازلت فى ذلك الألم، فى تلك الحالة السيئة، لكنك لم تفقد السيطرة بعد.

كنت أظن أننا لا يمكننا الخروج من الألم الحاد، لكننى حين اختبرته بعمق، اكتشفت أننا قادرون على تجاوزه وتحويله إلى ألم مزمن كمرحلة انتقاليه، وربما انهاؤه فيما بعد.

دعونى أوضح الأمر بشكل أكثر تبسيطا، ربما شعر كل منا بوجع فى أسنانه، فى مرحلة معينة نحتمل الألم، ويئن علينا كلما أكلنا شيكولاته أو أشياء أخرى، هنا نحن فى مستوى الألم المزمن، لكن عندما يتحول الأمر إلى ألم غير محتمل يكاد يدفعنا إلى الجنون فنحن فى مستوى الألم الحاد، هنا نضطر أن نذهب لأحد الأطباء لنعالج الأمر، هذا القرار بالذهاب هو الذى يحول الأمر من ألم حاد إلى ألم مزمن أو أن ينهيه تماما.

وما يهمنى هنا هو ذلك الفعل أو القرار الذى اتخذته بالذهاب إلى الطبيب، أن تفعل شيئا من أجل ألمك، وهو ما اختبره بشدة هذه الأيام.

أمر بأسخف أنواع الألم، الألم الحاد، أتوجع بعمق، أكتشف بأننى مسئولة مسئولية كاملة عن الخروج من هذه الحالة، والعودة إليها، أستيقظ وأنا غير قادرة على مواجهة اليوم، لكنى أصلى وأحدث الله بحميمية وروحانية خالصة وأطلب منه ما أريد، ثم أتحدث مع أصدقائى والذين يشكلون لى مساندة حقيقية كنت فى أمس الحاجة إليها، وظللت أناقش تلك الأفكار السلبية والتوقعات السخيفة بعقلانية شديدة وأكتبها وأفرغ ما بداخلى، يدفعنى ذلك كله إلى الهدوء والسكينة واحتمال الألم وتحويله من حاد عنيف إلى ألم مزمن يمكن التعامل معه.

ثم بعد قليل نفس الحدث المستمر يجعلنى أشعر بنفس الأعراض مرة أخرى، لكننى أحيانا لا أفعل أى من الأشياء السابقة، فقط أجتر فى الفكرة السلبية وأرددها، وأفعل أشياء حمقاء تزيد من ألمى وجعا.

بالفعل نحن الذين نمتلك المسئولية الكاملة إزاء ما نفعل وما نشعر به وكيفية معالجته، نمتلك كل الخيوط، نمتلك طريقة استقبالنا للأحداث، وليس العكس.

لا أريد لأحد أن يعتقد أن مرضى الاكتئاب مسئولون أيضا عن طريقة استقبالهم للأحداث أو عن طريقة تعاملهم مع الألم. هم مسئولون بعد تلقيهم للمساعدة، الاكتئاب أيضا نمر فيه بألم حاد، وألم مزمن.. لكننى هنا فى هذا المقال أتحدث عن أحداث المشقة الكبرى التى لا تؤدى إلى أمراض نفسية ويملك صاحبها قدرا من التوافق النفسى.

الروحانية والمساندة النفسية والتنفيس الذى تتيحه الكتابة ومشاركة الأصدقاء ومناقشة الأفكار، كلها آليات مهمة فى مواجهة الألم، وبدونها سنظل نجتر الأحزان ونلوكها.

تبقى فقط الدافعية للقيام بذلك، لكنى أعتقد أن ذلك الألم الحاد الذى يدفع إلى الجنون فى الأسنان مثلا والذى يدفعك بسرعة شديدة إلى الذهاب إلى الطبيب، هو نفسه الذى سيدفعك فى حالة الألم النفسى الحاد إلى عدم احتمال ذلك والبحث عن آلية تخرجك مما أنت فيه، وإن لم تفعل وظللت تحت تأثير الألم الحاد لفترات طويلة دون محاولة الحصول على مساعدة فأنت تواجه اضطرابا بحاجة إلى مساعدة أكبر ومتخصصة. أعتقد فى صحة تلك المقولة التى تقول إن الألم يشكلنا، بالفعل نحن نتشكل أثناء محاولتنا للخروج منه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved