تناقضات فى مسيرة النمو فى الصين

توماس فريدمان
توماس فريدمان

آخر تحديث: الأربعاء 27 يناير 2010 - 10:19 ص بتوقيت القاهرة

 فى الأسبوع الماضى، كتبت مقالا قلت فيه إنه بينما قد توفر بعض الأسواق الصينية، التى تتسم بارتفاع حاد فى الأسعار، كالعقارات، فرصا للبيع على المكشوف، فإنى أود أن أكون حذرا فيما يتعلق بالرأى القائل إن الاقتصاد الصينى اليوم هو مجرد إحدى الفقاعات الكبيرة، التى لا تشجع على الدخول، على طريقة دبى. والآن اسمحوا لى بمراجعة ملاحظاتى وتعديلها.

هناك بيع على المكشوف، بل بيع كبير على المكشوف، يثير اهتمامى فى الصين. لا أعلم يقينا من هو الذى لديه الاستعداد والرغبة فى البيع والشراء فى هذه المنطقة، ولكننى سأفعل ذلك هنا: إذا ما طردت الصين جوجول، سوف أبيع الحزب الشيوعى الصينى على المكشوف.

هذا هو السبب: الشركات الصينية اليوم أكثر تخلفا وأكثر تقدما مما يعرفه معظم الأمريكيين. فهناك اقتصادان صينيان بالفعل. إذ يوجد الحزب الشيوعى والشركات التابعة له، ولنسمها الصين المسيطرة. وتتمثل فى الشركات المملوكة للدولة شديدة التقليدية.

وإلى جانبها، هناك صين ثانية، تتركز إلى حد بعيد فى المدن الساحلية مثل شنغهاى وهونج كونج. وهذا قطاع تكثر فيه المشروعات، التى أوجدت تقنية راقية من أجل خلق تدفقات معرفية خاصة بالأعمال التجارية المتنوعة عالية القيمة والمشاركة فيها. وأسمى هذه صين الشبكة.

ما الأمر شديد الأهمية فى تدفقات المعرفة؟ يمثل هذا بالنسبة لى مفتاح فهم قصة جوجل والسبب الذى ربما يقرر الشخص من أجله اتخاذ موقف معاد للحزب الشيوعى الصينى.

يقول جون هاجل، الكاتب الشهير فى مجال الأعمال والمستشار فى الإدارة، فى «مؤشر التحول» الذى أصدره مؤخرا، إننا فى منتصف «التحول الكبير». إذ نتحول من عالم يعتبر المصدر الرئيسى للميزة الاستراتيجية فيه حماية واستخراج القيمة من خلال مجموعة معينة من الأرصدة المعرفية ــ ذلك المجموع الكلى لما نعرفه فى أى فترة زمنية ويتناقص الآن بوتيرة متسارعة إلى عالم يكون فيه مركز خلق القيمة فى المشاركة الفعالة فى التدفقات المعرفية، التى يجرى تجديدها باستمرار.

يقول هاجل: «صار إيجاد طرق للاتصال بالناس والمؤسسات التى تمتلك المعرفة الجديدة أمرا مهما بصورة متزايدة. فهناك الكثير من البشر الأذكياء خارج أى منظمة أكثر ممن بداخلها». وفى عالم اليوم المنبسط، يمكنك الآن الوصول إليهم جميعا. ولذلك، فكلما زادت قدرة شركتك أو بلدك على الاتصال بمصادر وثيقة الصلة ومتنوعة لخلق معرفة جديدة كان ازدهارها أكبر. وإن هى لم تفعل ذلك، فسوف يفعله الآخرون.

وأزعم أن الصين المسيطرة، فى محاولاتها لقمع التدفقات المعرفية وتقليصها ووضع قنوات لها فى مجالات يمكن قبولها سياسيا، الأمر الذى من شأنه إدامة سيطرة الحزب الشيوعى إلى أجل غير مسمى ــ كالرقابة على جوجل ــ على خلاف مع صين الشبكة، التى تزدهر من خلال المشاركة فى تدفقات المعرفة العالمية. وهذا ما تدور حوله بالفعل الحرب حول جوجل: إنه يوحى ويرمز إلى ما إذا كان الصينيون سوف يكونون قادرين على البحث والاتصال بحرية إلى حيث تأخذهم خيالاتهم ودوافعهم الخلاقة، الأمر الحاسم بالنسبة لصين الشبكة، أم لا.

لا شك أن لدى الصين بعض الشركات المرتبطة بشبكات من الطراز العالمى تعد فعليا «داخل التدفق»، كشركة الملابس لى أد فونج التى تبلغ قيمتها 14 مليار دولار، وذات شبكة تضم 10 آلاف شريك تجارى متخصص، وأيضا داشانج جيانج التى تنتج الدرجات النارية. وتتم التدفقات يوميا فى شبكات تلك الشركات الصينية لتقوم بالتصميم والابتكارات فى مجال الإنتاج وإدارة سلسلة الموردين، ومن أجل تجميع أفضل الخبرات العالمية «بشكل يختلف عن أى شىء عرفته شركات الولايات المتحدة»، كما قال هاجل.

وأضاف هاجل أن المنسقين لتلك الشركات «يشجعون المشاركين على أن يتجمعوا معا فيما يشبه نمط المجموعات المتخصصة للتعامل مع تحديات الأداء غير المتوقعة، والتعلم من بعضهم البعض وجذب عناصر من الخارج حينما تكون هناك حاجة إليها. وتحرص الشركات الأكثر تقليدية على تقليل الشركاء الذين تتعامل معهم، مدفوعة بالرغبة فى حماية واستغلال المخزون المعرفى».

وحتى الآن، تزدهر الصين المسيطرة إلى حد بعيد من خلال اتقان نموذج القرن العشرين الخاص بتخفيض تكلفة الصناعات التحويلية القائمة على التنقيب عن مخزون المعرفة والحد من التدفقات. ولكن الصين سوف تزدهر فى القرن الحادى والعشرين ــ ويبقى الحزب الشيوعى فى السلطة ــ فقط إذا استطاعت جعل أكثر شركاتها تنتقل إلى نموذج صين الشبكة الخاص بالقرن الحادى والعشرين. ويعنى هذا تمكين المزيد والمزيد من الشعب الصينى والجامعات والشركات من المشاركة فى التدفقات المعرفية العظيمة على مستوى العالم، خاصة من يتمتعون بصلات جيدة بالصناعة المتطورة وحدود السوق.

وللأسف، يبدو أن الصين رغم ذلك تراهن على أنها قادرة على اتباع ثلاثة محاور ــ التحكم فى التدفقات لأسباب سياسية، والحفاظ على مصانع القرن العشرين الخاصة بالصين المسيطرة لأسباب متعلقة بالتوظيف، والتوسع فى صين الشبكة الخاصة بالقرن الحادى والعشرين لأسباب متعلقة بالنمو. ولكن التناقضات داخل هذا التصور قد تقوض كل من المحاور الثلاثة. وسوف يتعرض نموذج الأوامر الخاص بالقرن العشرين تحت الضغط. فالمستقبل ينتمى إلى الذين يشجعون التدفقات المعرفية أكثر ويعملون على تنويعها باستمرار، ويطورون المؤسسات والممارسات اللازمة لاستخدامها.

وهكذا تكتمل الصورة: الصين المسيطرة، التى ترغب فى فرض الرقابة على جوجل، تعمل ضد صين الشبكات، التى تزدهر اعتمادا على جوجل. وإلى الآن، يبدو الأمر كما لو أن الصين المسيطرة سوف تشق طريقها. وإذا ما انتهى الأمر إلى هذه الحالة، فحينئذ سأود بيع الحزب الشيوعى على المكشوف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved