قتل السياسة
عمرو خفاجى
آخر تحديث:
الأحد 27 يناير 2013 - 8:10 ص
بتوقيت القاهرة
لا يتصور أحد أن ما شهدته مصر بالأمس كان أمرا مفاجئا وغير متوقع، بل على العكس تماما، فهو نتيجة طبيعية لفشل السياسة فى مهمتها، وخروج جميع من فى الحكم عن قواعد وأسس المراحل الانتقالية والتى تعقب الثورات عادة. فحينما تغلق الطرق أمام الحوار، وحينما يسد الطريق أمام التوافق، فلا يبقى سوى العنف فى الشارع، ولا يجد المختلفون سوى القوة للتغيير.
فكل ما جرى خلال الفترة الماضية، كان يشير بوضوح إلى أن هذا سيحدث، وأشرنا إليه فى حينه، أن للسياسة وظيفة رئيسية يجب تفعيلها، لوأد الخلافات وهى فى مهدها، دون غطرسة أو الشعور بأوهام القوة، التى يكون لا حول لها فى مثل ما شاهدناه بالأمس فى أربعة جنبات مصر، وربما كانت الجريمة الكبرى فى عصر مبارك هى تعمده قتل السياسة مع سبق الإصرار والترصد، على اعتبار أن موت السياسة فيه حياة دائمة للاستبداد، فكانت الثورة عليه هى الملاذ الوحيد والطريق الفعال أمام الجماهير للاعتراض على سياسات حكمه.
كان من المتصور أنه بعد انتخاب رئيس بشكل ديمقراطى، أن تكون السياسة حاضرة بقوة، مليئة بالحياة والحيوية، وهى كانت كذلك بالفعل فى لحظة انتخابه، فقد تضامن معه المختلفون سياسيا، من أجل عدم وصول رجل من النظام السابق لسدة الرئاسة، تفاوضوا وتعاهدوا، وأوفوا بعهودهم، فى حين أن الرئيس عندما فاز تملص مما قال، وتخلص من هذا التحالف بسرعة غير متوقعة، رغم اتفاقه علنا أن المراحل الانتقالية لا تنجح إلا بالتوافق.
من لحظات البداية فى عهد الرئيس الجديد، كانت السياسة تطل بين حين وآخر، وكان هناك دائما من يترصد لها ويقطع عليها الطريق، وكان الحزب الحاكم متغطرسا، هو ومن يتحالفون معه، بلا مبرر حقيقى، من أكبر الأمور (إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية أو طريقة عملها) إلى أصغرها (دعوة قيادات المعارضة إلى الاحتفالات البرتوكولية) وحينما التقى الرئيس بقيادات القوى السياسية فى بادرة طيبة، وبعد أن استجابوا لها جميعا، خرج الرئيس بإعلان دستورى قطع الطريق على أى توافق، وعندما حاول بعض المخلصين فك الاشتباك بحوار وطنى، تدخلت القوى الخفية لرفض كل الشروط، ليخرج الحوار هزيلا، ثم يتم وأده تماما على يد قادة الحرية والعدالة والجماعة بأن هذا الحوار غير ملزم، وأن أعضاءه غير منتخبين، وكأن الرئيس عندما تعهد بتنفيذ ما سينتهى إليه الحوار، كان أعضاء هذا الحوار منتخبين.
أعتقد أن الفرصة مازلت سانحة أمام مصر للخروج من هذه الأزمة، والفرصة لها عنوان وحيد هو التوافق، الذى لا يأتى إلا بحوار سياسى يعرف التنازلات قبل التمسك بالمواقف، فما ينبغى التمسك به فعلا هو التوافق والاستجابة لرغبات الجماهير، أما الإصرار على قتل السياسة وغلق جميع النوافذ أمام التوافق، فهذا ما لا تحمد عقباه.. وحمى الله مصر من كل شر ومن كل شرير