إيمحوتب والسياحة العلاجية
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 27 يناير 2023 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
كان لى الأسبوع الماضى أن أقضى وقتا استثنائيا فى مدينة الأقصر والتى بلا شك تستحق لقب عاصمة حضارة العالم عن جدارة. ذهبت للمشاركة فى فعاليات أحد أهم مؤتمرات طب القلب «كارديو الأقصر» والذى يعقد سنويا فى تلك المدينة المتفردة ويحمل اسمها. انتهت أعمال المؤتمر لأتفرغ لطقوس أحرص عليها كأيام العيد: زيارة تلك الآثار التى تركها الأقدمون تعلن عن حضارة لا يرقى لها أى من حضارات الإنسان على الأرض. أفتح كتبى وما دونته سابقا من خواطر ومعلومات وأنا أعيد تأمل تلك النقوش على الجدران فى المعابد والمقابر، تذهلنى الحياة الباقية فى الألوان والدقة فى الرسم والكتابة والقدرة على التعبير على الحجر الذى ينطق بتفاصيل الحياة اليومية ووقائع حياة المصريين منذ آلاف السنين.
أما ما يذهلنى حقا إلى حد الخوف فذلك القدر من العلم والتقدم والمعرفة الذى لا يخطئه عقل يرى ما سطروه من حقائق علمية ببساطة مذهلة تشير إلى أن تلك حضارة قد سبقتنا وما زلنا نحاول فك رموزها ونحن نتعثر فى أيام تلت أيامهم فى إيقاع بطىء.
فى عصر سحيق وقبل مولد السيد المسيح بثلاثة آلاف سنة قدمت مصر للإنسانية أول رائد لعلوم الطب باجماع الأثريين والمؤرخين «إيمحوتب» ومعنى اسمه باللغة الهيروغليفية القديمة: «الذى يأتى فى سلام». الطبيب المعمارى كبير الكهنة الذى لقبوه فى منف بـ«إله الشفاء». تلك والله معلومة قد يبدو طبيعيا أن تعرفها طبيبة مصرية فى بلدها أما أن أسمعها من شابة لا تتجاوز الثلاثين من عمرها هولندية جاءت لتشهد حضارة مصر القديمة فقد كان بالفعل شيئا يثير الاحترام والدهشة.
راودتنى أفكار كثيرة خلال زيارتى للأقصر كان منها بالطبع ما يتعلق بالطب والسياحة فى آن واحد. السياحة العلاجية: مشروع حضارى علمى أرى أن بلادى مهيأة له تماما دونما أية محاذير يحسب لها حساب. الحديث عن السياحة العلاجية ينحصر دائما فى الاستشفاء الطبيعى حيث تنتشر فى بلادنا مئات من الآبار والعيون الطبيعية تحتوى مياهها على المعادن الهامة. وتختلف فى العمق والسعة ودرجات الحرارة. احتواؤها على نسب عالية من الكبريت يجعل لها أهمية تفوق الكثير من مراكز الاستشفاء العالمية المعروفة فى العالم أيضا بعض المعادن الأخرى التى لها قيمة علاجية.
كذلك فإن رمال مصر لا تقل ثراء عن مياهها إذ تحتوى على نسب مأمونة عظيمة الفائدة من العناصر المشعة لها نتائج مسجلة رائعة عند طمر الإنسان فيها لفترات محددة وبوسائل معروفة خاصة عند الإصابة بآلام روماتيزمية أو الروماتويد.
حلوان والواحات وأسوان وسفاجا وسيناء كلها أماكن أكثر من ممتازة لاستغلالها فى السياحة العلاجية.
الواقع أننى وإن أشرت فى مقالى للسياحة العلاجية بغرض الاستشفاء الطبيعى إلا أننى أردت أيضا الإشارة إلى السياحة العلاجية التى تتضمن زيارة آثار مصر المذهلة على مر العصور مرورا بمختلف الحضارات التى قامت وازدهرت على أرضها إلى جانب تأمين علاجات أخرى مختلفة فالطب فى مصر الآن بالفعل يدق أبوابا من التقدم تشهد ببراعة الأطباء المصريين وتفوقهم: فى الجراحات الدقيقة المختلفة وجراحات القلب المفتوح بل واستبدال الصمامات باستخدام القسطرة دون اللجوء للجراحات وغيرها من وسائل التشخيص والعلاج.
يحضرنى مثل لدولة نسبقها بمراحل وهى تركيا. العثمانيون الآن يعلنون عن رحلات سياحية لزيارة معالم تركيا الأثرية وطبيعتها الجميلة وبرامج مختلفة لزراعة الشعر والأسنان وجراحات استبدال الشرايين وزرع الكلى!
أما دبى فتعلن عن أنها قد أصبحت عاصمة السياحة العالمية وأن «شتائها هو الأجمل فى كل الدنيا» كالشعار الذى أطلقه حاكم دبى مباهيا ببلاده فى مهرجان بدأ ١٥ ديسمبر وحتى آخر فبراير!
لا أعتقد أن هناك من سيلومنى إذا ما اقترحت اليوم أن تضم الوزارة القادمة أكثر من حقيبة وزارية للسياحة وللصحة ولكل تخصصها. ولهذا حديث آخر إن شاء الله.