نحو بناء النظام السياسى الديمقراطى الجديد
إبراهيم عوض
آخر تحديث:
الأحد 27 فبراير 2011 - 9:29 ص
بتوقيت القاهرة
لقد التقيت جميع تنظيمات الشباب التى دعت جماهير المواطنين إلى الثورة فى الخامس والعشرين من يناير الماضى، وشاركها فى الاتفاق كل المعبرين عن القوى والتيارات والمصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أن القوات المسلحة أمينة على البلاد، غير طامعة إلى ممارسة السلطة السياسية فيها. ولقد أعطت القوات المسلحة إشارات متعددة على ذلك لعل أهمها تأكيدها وهى تسلم إدارة شئون البلاد على إنها لن تمارسها إلا مؤقتا وعلى إنها ليست بديلا عن الشرعية، التى يرتضيها الشعب.
حسنا فعلت القوات المسلحة فهى بذلك دعمت ثقة المواطنين فيها، وأكدت أن الحكم ليس شغلتها، فوظيفتها الأولى التى ينبغى أن تتفرغ لها هى الدفاع عن الوطن، علاوة على صيانة وحدة الشعب فى اللحظات التى يواجه فيها نظام حكم مستبد ومستغل لثرواته وكدّه.
فى اتساق مع نفسها، اختطت القوات المسلحة ممثلة فى مجلسها الأعلى طريقا تؤدى بها إلى تسليم السلطة إلى ممثلين للشعب فى أسرع وقت ممكن، بل خلال مهلة لا تتعدى الأشهر الستة. غير أن السرعة فى تسليم السلطة لا تعنى السرعة فى تحقيق الأهداف التى ثارت من أجلها جماهير المواطنين على أوضاعها السابقة. فالسرعة فى تسليم السلطة قد تؤدى إلى رفض المواطنين للأوضاع المستجدة والاستمرار فى الثورة يحلها، وهذا مما يخلق انعداما فى الاستقرار وتهديدا لوحدة الشعب ويستدعى تدخلا جديدا للقوات المسلحة فى إدارة شئون البلاد. تفرغ القوات المسلحة لوظيفة الدفاع عن الوطن يستلزم التأنى فى بناء النظام السياسى الجديد.
إن ثورة جماهير المصريين لم تكن على حكم الرئيس مبارك وحده، بل كانت على النظام السياسى الذى أدى إلى نشأة هذا الحكم وترسخ مساوئه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الشرعية التى ثار عليها المصريون وأسقطوها لم تكن شرعية حكم الرئيس مبارك وحده بل شرعية قواعد تحمل النظام السياسى وترتيباته، فاصل فساد النظام السياسى هو فى قواعد العمل والترتيبات هذه.
من المهم التخلص من هياكل الحكم السابق وممن خدموه على أمل الفوز بنصيب من غنائمه المادية أو المعنوية، غير أن الأهم هو دفن شرعية النظام السياسى السابق، والعمل باطمئنان على بناء هياكل النظام السياسى الجديد والاتفاق على قواعد عمله وترتيباته، وهى هياكل وقواعد وترتيبات تنشئ شرعية دستورية جديدة مستمدة من شرعية الثورة.
والقوات المسلحة وهى تدير شئون البلاد فى الوقت الحالى تستند إلى شرعية الثورة، وليس إلى الشرعية الدستورية السابقة، فهذه الشرعية السابقة لا تنص على تسليم شئون البلاد إلى القوات المسلحة. ومشروعية تولى القوات المسلحة مؤقتا للسلطة فى البلاد مقبولة من الجميع استنادا إلى الشرعية الثورية وحتى تتحول هذه إلى شرعية دستورية جديدة. لذلك، سيكون اختيارا صائبا أن تسقط القوات المسلحة الشرعية الدستورية السابقة من حساباتها تماما.
إن عدم إسقاط هذه الشرعية تماما والإبقاء على هياكل نشأن لإنقاذها وتدعيمها هو السبب الجوهرى لرفض من يرفضون ترتيبات المرحلة الانتقالية الحالية.
تحويل الشرعية الثورية إلى شرعية دستورية جديدة يستدعى تحقيق أهداف الثورة كاملة، وهى أهداف بسيطة فى صيغتها، واسعة فى نطاقها ومضمونها.
بعد عقود من الشد والجذب والتردد، يبدو الاتفاق العام راسخا الآن على أن التعددية السياسية المطلقة هى الأساس لممارسة الحرية والديمقراطية، ولإعلاء كرامة المواطنين، ولتأمين العدالة الاجتماعية فيما بينهم. هذا انجاز هائل فى تاريخ الحياة السياسية المصرية، لابد من ترسيخه فى الدستور والقانون.
والتعددية لا ينبغى أن تكون فقط نتاجا لفترة التحول الجارية، بل ينبغى أن تكون السبيل إلى إدارة فترة التحول.
لابد من إطلاق حرية تكوين الأحزاب، والجمعيات الأهلية، والنقابات العمالية فى أثناء فترة التحول وليس بعدها. الجمعيات الأهلية تعيد بناء المجتمع المدنى، وتنميه، وتعبر عنه. والنقابات العمالية تبلور مصالح العمال وتعبر عنها. والأحزاب السياسية تجمع هذه التعابير كلها فى مواقف واتجاهات سياسية تتفاعل مع بعضها لينتج عنها أفضل دستور ينشئ نظاما سياسيا يعمل على التنمية بشقيها السياسى والاقتصادى فى ظل العدالة الاجتماعية، وبحيث يسير النظام السياسى قدما فى تأمين الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للمواطنين.
إن استماع القوات المسلحة للمواطنين وتصحيح مسار الفترة الانتقالية سيعلى من شأنها فوق علوه الحالى. ومدّ الفترة الانتقالية لن يبطئ منها أو يطيل من فترة تولى القوات المسلحة لإدارة شئونا لبلاد، بل سيختصرها. لابد من الإعلان عن النهاية المبرمة للشرعية الدستورية السابقة والتخلص من هياكلها والشخصيات التى أرادت تدعيمها. ثم لابد من تعديل كل القوانين التى تحدّ من الحريات كلها، وللمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يفعل ذلك بإصدار مراسيم لها قوة القانون. ثم انه ينبغى بعد ذلك ان يترك الوقت للإضراب، والجمعيات، والنقابات التى تنشأ بعد إطلاق الحريات، لابد أن يترك لها الوقت للاتصال بالمواطنين ولترسخ أقدامها حتى تشارك فى صياغة الدستور عبر جمعية تأسيسية منتخبة. مشاركة الأحزاب فى صياغة الدستور ستكون هى نفسها تدعيما لها يمكنها من ان تعبر عن مصالح المواطنين ومواقفهم، وتؤدى إلى نجاح الانتخابات التشريعية التى تجرى بعدها.
لابد أن تتعاهد القوات المسلحة مع محركى الثورة ومع جميع القوى السياسية على تحقيق جميع الأهداف التى انتفضت جموع المواطنين لتحقيقها. الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية ستتحقق إذا ما تم القضاء قضاء مبرما على امكانية أن ينشأ من جديد حاكم فرد مقوله، وهى الفكرة التى رفضها المصريون ولفظوها فى الأسابيع الماضية. غير ان مواد الدستور الجارى تعديلها ليست كافية لتحقيق هذا القضاء المبرم.
لقد انبهر العالم، شرقه وغربه، شماله وجنوبه، بثورة المصريين وباصرارهم على تحقيق ارادتهم. لقد رأى الناس فى كل مكان فى انتصار المصريين انتصارا لهم ولقدرة الإنسان على التحكم فى مصيره وفرض إرادته. ان تكريم المصريين على ما حققوه يكون بتمكينهم من التعبير فى المستقبل عن إرادتهم ومن خط مصيرهم دون الحاجة إلى النزول إلى الشارع والاحتكام إليه. عندها سيزيد انبهار العالم على انبهار وسنكون قد خطونا أولى خطواتنا بثبات على طريق الرقى والتقدم.