الخوف المشروع على ثورة 25 يناير

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 27 فبراير 2011 - 9:24 ص بتوقيت القاهرة

 الخوف على ثورة 25 يناير من المتربصين بها والحديث المتصاعد اليوم عن مؤامرات تهدف للانقلاب على الثورة ومطلبيتها الديمقراطية لهما ما يبررهما. فالكثير من مؤسسات نظام الرئيس السابق، خاصة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، مازالت كالصندوق الأسود لا يعلم المصريون عن أحوالها شيئا يذكر وتتواتر الأنباء عن تورط بعض أطرافها فى ممارسات غير مطمئنة إن لم تكن إجرامية. والإشارة هنا إلى ما شهدته الأيام الأخيرة من هجمات متفرقة على منشآت حكومية وأعمال عنف طائفى واعتداءات على بعض نشطاء حقوق الإنسان ومحاولات لتوريط القوات المسلحة فى مواجهات مع المواطنين.

كذلك تنشط أجهزة الحزب الوطنى وبقايا أمانته العامة، وتلك، على الرغم من السقوط المريع، مازالت على قيد الحياة، نظرا لعدم الحل الرسمى للحزب، وبالتعاون مع طائفة من رجال الأعمال الفاسدين من ممولى البلطجية وبالتنسيق مع قيادات محلية لإعادة تنظيم صفوفها والاستعداد للانتخابات التشريعية المقبلة. البعض الآخر من أعضاء الحزب الوطنى وبتشجيع من عدد من «القيادات» يحاول منذ بداية ثورة 25 يناير اختراقها بتكوين أحزاب جديدة تدعى انتماءها للحركات الشبابية وتوظف شيئا من أموال وأدوات وشبكات الحزب الوطنى لتكثيف وجودها السياسى والإعلامى قبل الانتخابات.

ويزيد من خوف المصريين على الثورة ومن خشيتهم ألا تترجم مطلبيتها الديمقراطية واقعا يسمح ببناء مصر الحرة والعادلة ــ حقيقة اقتصار محاسبة المتورطين فى منظومة الفساد وانتهاك الحريات المرعبة التى صنعها نظام الرئيس السابق وزبانية التوريث على إجراءات ليست بمكتملة بعد ضد بعض الأفراد.

نعم أصبح العادلى وعز وجرانة والمغربى والفقى قيد الاعتقال وبدأ التحقيق القضائى معهم، إلا أن آخرين كثر من الفاسدين والمتورطين فى انتهاك الحريات فى الأجهزة الأمنية ومن قيادات المؤسسات الإعلامية الرسمية ومسئولين كبار فى القطاع المصرفى وفى مجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية مازالوا فى مراكزهم ويمارسون أعمالهم دون تغيير.

يصعب على، كما يصعب على قطاع واسع من المواطنين، مطالعة صحف كالأهرام والأخبار والجمهورية وروزاليوسف وغيرها ورؤساء مجالس إدارتها وتحريرها المعينون من قبل نظام مبارك مازالوا فى مواقعهم ويحصلون على امتيازاتهم المالية الخيالية ويتعالون على شرفاء الصحفيين والمحررين فى مؤسساتهم.

هؤلاء روجوا طويلا لسلطوية الرئيس السابق ولمشروع التوريث، وفى الكثير من الأحيان بصياغات وأساليب يندى لها الجبين كملوخية الرئيس السابق وعبقرية جمال مبارك وأحمد عز الانتخابية وثورة البلطجية المضادة، واستمروا على خطهم هذا إلى 11 فبراير دون بادرة واحدة لمراجعة نقدية أو تفكير فى مصلحة الوطن والمواطنين.

فلماذا يترك هؤلاء دون إجراءات محاسبة مهنية وتحقيق فى شبهات الفساد، خاصة مع تواتر أنباء المستندات المحروقة والمهربة، ويقرر بعدها استمرارهم فى مواقعهم من عدمه؟ وينطبق ذات الأمر على الفاسدين فى مجالس إدارات النقابات والقطاع المصرفى وشركات قطاع الأعمال ومجالس المحليات وغيرها، ويمكن إزاءهم جميعا تشكيل لجان قضائية مستقلة بمشاركة المجتمع المدنى للتحقيق فى شبهات الفساد ومحاسبتهم ومن ثم تحييد أثرهم السلبى بإخراجهم من الحياة السياسية والعامة فى مصر.

مشروع إذن الخوف على الثورة من المتربصين بها ومن أصحاب المصلحة فى إخفاقها، إن من المتجمعين حول الرئيس السابق فى شرم الشيخ أو من المتورطين فى منظومة السلطوية والفساد التى أقامها طوال العقود الماضية. إلا أن الخوف على الثورة يرتبط أيضا بتوجهات وأفعال القوى الوطنية والحركات الشبابية التى أسهمت بها ومكنتنا من أن نحقق أول الأهداف وهو إجبار الرئيس السابق على التنحى عن منصبه.

بين 25 يناير و11 فبراير امتلكت القوى الوطنية والحركات الشبابية وجموع المواطنين زمام المبادرة الإستراتيجية متقدمة على نظام مبارك وطورت مطلبيتها بسرعة وبقوة شعبية كاسحة لتجبره على الرحيل. أما منذ 11 فبراير وإلى اليوم، وعلى الرغم من الطاقة الإيجابية الرائعة التى صنعتها الثورة بين المواطنين وقدرتها على التخلص بالكامل من نظام مبارك وبناء مصر الحرة العادلة، والقوى الوطنية والشبابية تمر بلحظة ضبابية أفقدتها المبادرة الإستراتيجية وأخشى أن تؤدى إلى حالة من التخبط فى الأفعال والممارسات ذات تداعيات شديدة الخطورة.

فعوضا عن التعامل الجاد والجماعى مع استحقاقات المرحلة الانتقالية أو التركيز على تشكيل هيئة للحوار الوطنى ومضامين التعديلات الدستورية المقترحة والمطالبة بإلغاء حالة الطوارئ وتغيير قوانين الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية وإدارة الانتخابات والإشراف عليها والضغط الشعبى من أجل إطلاق حرية تكوين الأحزاب وتأجيل الانتخابات التشريعية قليلا إلى أن يتسنى للأحزاب تنظيم صفوفها والتشديد على ضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، تفرقت السبل بالقوى الوطنية والحركات الشبابية بين مشارك فى حكومة الدكتور شفيق المعدلة ومطالب بإسقاطها وهى فى نهاية المطاف لا تعدو أن تكون حكومة تسيير العمل التنفيذى لبضعة أشهر.

تفرقت بنا السبل أيضا بين منادٍ بسرعة تكوين أحزاب جديدة تعبر عن الروح والجوهر الديمقراطى لثورة 25 يناير وتشارك فى الانتخابات المقبلة، ومشكك فى الأحزاب خوفا من تفتيتها للثورة ومطالبها. تفرقت بنا السبل بين من يرى فى جماعة الإخوان فصيلا وطنيا له حق المشاركة فى السياسة والانتخابات شريطة تعامله بإيجابية مع استحقاقات مدنية السياسة وممارستها وبين متخوف من هيمنة محتملة للجماعة المنظمة على مصر الجديدة عبر بوابة الانتخابات.

وقناعتى أننا إن لم ننتبه لخطورة اللحظة الضبابية الراهنة ونستعيد قدرتنا الجماعية على المطالبة بفاعلية بالتحول الديمقراطى، سنضع نحن الثورة فى اختبار أصعب بكثير من مؤمرات المتربصين والفاسدين. دعونا نتوافق على جوهرية هيئة الحوار الوطنى وإلغاء الطوارئ وإطلاق حرية تكوين الأحزاب وتأجيل الانتخابات التشريعية ونوجه الفعل الجماهيرى (التظاهر السلمى دون تعطيل لاعتيادية الحياة اليومية) للضغط من أجل الاستجابة لهذه المطالب.

دعونا لا نلتفت لمحاولات شق الصف بين القوى المدنية والإخوان ونلتقى على أرضية قبول مشاركة حزب للإخوان فى السياسة والانتخابات طالما اتسم بالطابع المدنى وفصل وظيفيا عن الجماعة الدعوية. دعونا أيضا نتسامى عن محاولات بذر الشقاق بين مواطنى مصر الأقباط والمسلمين ونتماهى فى فعلنا العام والخاص مع روحية المواطنة الرائعة التى أثبتت وجودها ثورة 25 يناير بتلاقى وتلاحم الأقباط والمسلمين بعيدا عن نظام مبارك الفاسد واحتفائه المصطنع بالوحدة الوطنية. دعونا نشجع من يريد تكوين أحزاب جديدة على أرضية مطلبية المدنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتجمع أكثر مما تفرق، ولا نقوض فى ذات الوقت من طاقة وقوة أولئك الذين يديرون دفة التحول الديمقراطى إلى الأمام من بوابة المجتمع المدنى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved