تغيير الحكومات.. إعادة إنتاج التقاليد السلطوية
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الخميس 27 فبراير 2014 - 1:40 م
بتوقيت القاهرة
بوضوح شديد، تذكر التصريحات الرسمية (إن من الرئاسة المؤقتة أو من رئيس الوزراء المكلف أو من مسئولين رسميين آخرين) والنقاشات الإعلامية بشأن استقالة حكومة الدكتور الببلاوى بفترة ما قبل ثورة يناير ٢٠١١.
لم تحمل التصريحات الرسمية تفسيرا مباشرا لأسباب استقالة الحكومة وتغيير رئيس الوزراء وتجاوز «التعديل الوزارى المحدود» الذى روجت له دوائر الحكم خلال الأسابيع الماضية. ومن ثم لم يقدم للمواطن المصرى ما يضعه فى موقع معرفة يؤهله لتقييم أسباب استقالة حكومة الدكتور الببلاوى والتوقعات المرتبطة بالحكومة الجديدة. وفى الاستعلاء على حق المواطن فى المعرفة جوهر سلطوى صارخ يتماهى مع التقاليد والممارسات التى ارتبطت بتغيير الحكومات طوال فترة الرئيس الأسبق مبارك.
كذلك ركزت التصريحات الرسمية والنقاشات الإعلامية (البعيدة عن التعريض الشخصى أو المهنى غير المقبول بالحكومة المستقيلة أو بالحكومة القادمة) على القضايا الاقتصادية والاجتماعية وسبل التعامل مع الاحتجاجات المتصاعدة وكذلك على تحديات الإرهاب والعنف. وفى إعادة إنتاج مباشرة لفترة مبارك والتى دوما ما روج بها لتغيير الحكومات بخطاب عن ضرورات تنشيط الاقتصاد ودفعه إلى الأمام وعن التحديات الأمنية ومقتضيات مواجهتها، عادت دوائر الحكم فى ٢٠١٤ والمساحات الإعلامية المؤيدة لها إلى تصدير ذات الخطاب إلى الواجهة متجاهلة الإشارة إلى النواقص الخطيرة التى وردت خلال الأشهر الماضية على سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات ومسار بناء الديمقراطية.
وللرأى العام فى حبس لؤى قهوجى وعمر حاذق وإسلام حسنين وناصر أبو المجد بعد مشاركتهم فى وقفة احتجاجية بالإسكندرية فى ديسمبر ٢٠١٣، وفى حبس مواطنين بسبب ملصقات «لا للدستور» أو بسبب التعبير السلمى عن الرأى والدعوة إلى رفض الدستور قبل الاستفتاء عليه فى يناير ٢٠١٤، وفى حبس آخرين على خلفية المشاركة فى تجمعات سلمية ترفض عودة الدولة الأمنية وتطالب بإبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة، وفى التقارير المتواترة عن ممارسات التعذيب وانتهاك الكرامة الإنسانية فى أقسام الشرطة والسجون، وفى التضييق على الأصوات المدافعة عن الديمقراطية والحرية، وفى الكثير من الإجراءات الاستثنائية التى دفعت باتجاه العقاب الجماعى لجميع المنتمين لجماعة الإخوان ولمؤيديها، وفى تمرير قوانين قمعية كقانون التظاهر أمثلة كارثية تدلل على النواقص الخطيرة التى عانت منها سيادة القانون والحقوق والحريات وفرص بناء الديمقراطية منذ يوليو ٢٠١٣.
وينطبق ذات الصمت والتجاهل على ملفات العدالة الانتقالية والالتزام بسيادة القانون فى إطار مواجهة الإرهاب والعنف والتى رتب غيابها استمرار ظاهرة «التهرب من المحاسبة» لجهة تورط الأجهزة الرسمية فى الانتهاكات وتجاوز القانون، وكذلك طغيان الحل الأمنى على مقاربة شاملة ورشيدة تمزج بين الأداة الأمنية الملتزمة بالقانون حين تواجه من يحمل السلاح ضد الدولة وبين الأدوات السياسية والمجتمعية لتمكين القوى والتيارات السلمية من المشاركة البناءة فى وطن يتسع للجميع.
وفى الصمت عن كل هذا وتجاهله لصالح تصدير الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والتحديات الأمنية إعادة إنتاج للجوهر السلطوى للتقاليد وللممارسات المرتبطة بتغيير الحكومات فى فترة الرئيس الأسبق مبارك شأنها شأن الاستعلاء على حق المواطن فى المعرفة. والمواطن المحترم يظل هو وعملية بناء الديمقراطية الخاسران الأكبران.
غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر