المملكة العربية السعودية.. إيران وصراع الحضارات
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 27 فبراير 2014 - 2:35 م
بتوقيت القاهرة
كتب انتونى كوردسمان بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريرا، يتحدث فيه عن مدى الاختلاف الموجود فى القيم ووجهات النظر بين الغرب والشرق الأوسط. وخلال العامين الماضيين، هددت هذه الاختلافات بأن تتسع الهوة بينهم على المستوى الاستراتيجى.
أشار الكاتب إلى أن كثيرين فى الغرب لا يزالون ينظرون للاضطرابات السياسية فى المنطقة، كمقدمة لنوع من التحول الديمقراطى النابض بالحياة. كما يركز النقاد الغربيون على إيران إلى حد كبير، خاصة من حيث جهودها للحصول على القوى النووية، ويرون أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى متورطة بطريقة أو بأخرى فى عداء على مستوى منخفض مع ايران بشأن الوضع الحالى.
•••
ويرى كوردسمان أن الواقع فى الخليج مختلف تماما. فمن وجهة نظر المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربى الأخرى، كانت الثورات والاضطرابات فى العالم العربى تمهيدا للفوضى وعدم الاستقرار، وتغيير النظام والذى نتج عنه الكثير من العنف والتراجع الاقتصادى. التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية تعكس الصراع على السلطة الإقليمية، والذى يركز على الأمن الداخلى، والطاقة الإقليمية، والتهديدات غير المتماثلة والتى تتعدى القوى النووية، إلى التنافس بين إيران ودول الخليج العربى، مما يؤثر على المصالح الحيوية وبقاء الأنظمة. ويزداد هذا الصراع الآن تعقيدا مع تنامى الشكوك بين السعوديين وغيرهم من العرب حول تحالفهم مع الولايات المتحدة، وحول سياسات الولايات المتحدة المتبعة فى المنطقة على المستوى الشعبى، أدت هذه الشكوك إلى انتشار نظريات المؤامرة العربية، حول استعداد الولايات المتحدة للتخلى عن تحالفاتها فى العالم العربى والتحول إلى إيران. على مستوى الحكومات ووزارات الدفاع، وتعاظمت هذه الشكوك لتأخذ شكل الخوف من كون «الطاقة المستقلة» فى «امريكا» والتى أنهكتها الحرب ستبدأ فى الانخفاض، نظرا للتردد الرئاسى والمناظرات المستمرة حول الميزانية، والتحول لآسيا، أو عدم الرغبة فى الترقى إلى مستوى التزاماتها فى الخليج والشرق الأوسط.
•••
كما أكد الكاتب، أن عددا قليلا فى الولايات المتحدة والغرب يفهم المدى الذى يواجه خلاله كل من إيران والأنظمة العربية صراعا متزايدا لمستقبل الإسلام. إنه صراع بين السنة والشيعة، وأيضا بين جميع الأنظمة فى المنطقة والمتطرفين الاسلاميين، وهو ما وصفته الولايات المتحدة بأنه صراع داخل الحضارة وليس معهم، وهنا تكمن وجهات النظر العربية التى يصعب على الولايات المتحدة تجاهلها، حيث إن تزايد الصراعات تؤثر على المقاطعات والمنطقة، فنجد أن نحو 20٪ من جميع صادرات النفط العالمية، و35٪ من إجمالى النفط المشحون عن طريق البحر، والتحرك من خلال مضيق هرمز، جنبا إلى جنب مع كميات كبيرة من الغاز، كلها معرضة للخطر. وتم نقل ملايين البراميل، عبر البحر الأحمر كما أن التدفق المتزايد من النفط يتحرك عبر تركيا، ولهذا فالضرورة ملحة لوجود آليات جديدة لإعادة الشحن التى تتأثر أيضا من عدم الاستقرار فى المنطقة، حيث يعتمد الاقتصاد العالمى والخاص بكل دولة بشكل كبير على استقرار وأمن هذا التدفق، وعلى الارتفاعات المطردة له فى المستقبل. ولا توجد دولة قادرة على عزل نفسها من الأزمة فى منطقة الخليج. وسوف تدفع جميع الدول ثمن ازمة ارتفاع الأسعار العالمية بغض النظر عن المكان الذى يأتون منه بالبترول. ومن جانب آخر فإن الحديث عن استقلال الطاقة فى الولايات المتحدة تجاهل حقيقة أن وزارة الطاقة فى الولايات المتحدة تتوقع ما لا يقل عن 32٪ من اعتماد امريكا على استيراد الوقود السائل حتى عام 2040 وفقا للتقديرات التى صدرت مؤخرا فى ديسمبر 2013.
•••
وحذر كوردسمان من أنه لا توجد طرق سهلة للتعامل مع أى من القوى العظمى التى تقسم الآن إيران والمملكة العربية السعودية وتهدد الاستقرار والأمن فى المنطقة وتمثل خطرا على الاقتصاد العالمى. من السهل جدا القيام «باعتقال المشتبه بهم والمعتدين» والدعوة إلى المؤتمرات الإقليمية الأمنية وتقديم الحلول، واقامة المفاوضات والمعاهدات للحد من التسلح. ولكن أدى كل ذلك إلى القليل من التقدم الحقيقى العالمى فى حل النزاعات حتى الآن، ومرة أخرى هناك الكثير من المتغيرات الأساسية، فهذه هى لعبة الشطرنج المكونة من ثلاثة ابعاد، حيث لا توجد قواعد ولا حدود واضحة لعدد اللاعبين.
ولكن وفقا للكاتب، فإن بعض الأشياء تبدو واضحة. على سبيل المثال اذا حدث اتفاق ناجح مع إيران فى مجموعة الخمسة + واحد، ذلك من شأنه المساهمة فى القضاء على التهديد الأكثر خطورة فى المنطقة. إن اصرار القوة الأمريكية وغيرها من مجموعة P5 +1 للقضاء الحقيقى على جهود الأسلحة النووية الإيرانية من شأنه أن يقطع شوطا طويلا نحو تحقيق الاستقرار العسكرى، ووضع حد للعقوبات، لأن إقامة علاقات طبيعية بين P +1 وإيران من شأنه أن يخفف إلى حد كبير المخاوف الإيرانية. وهذا قد يستغرق عاما على الأقل، وهذه هى فقط البداية. بالإضافة إلى جهود الولايات المتحدة لطمأنه السعودية ودول الخليج العربى الأخرى بأنها لن تتحول إلى إيران، وسوف تعمل على استمرار التحالف العسكرى معهم، ستكون حاسمة لأى استعداد سعودى وعربى للتعامل مع ايران وتجنب الجهود العربية لامتلاك أسلحة نووية. وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل هذه الجهود مع زيارة وزير الدفاع تشاك هيجل إلى الخليج فى أوائل ديسمبر عام 2013، وخطابه فى 7 ديسمبر «حوار المنامة». كما أشار الوزير هيجل، إلى أن الولايات المتحدة زادت ممارستها وانشطتها مع الدول العربية فى عام 2012، حيث ستقدم نحو 70 بليون دولار لمزيد من الأسلحة المتطورة، كما أن استراتيجيتها الدفاعية تعطى الشرق الأوسط نفس أولوية آسيا. ومع ذلك، إن الولايات المتحدة بحاجة الآن إلى تكرار ونشر ذلك على مستوى أوسع، وبالتعاون مع بريطانيا وفرنسا.
•••
وفى نهاية التقرير يشير كوردسمان إلى ضرورة توقف الولايات المتحدة وأوروبا عن رؤية الثورات الإقليمية السياسية كتمهيد لانتصار القيم الغربية والديمقراطية، وأن تركز على أثرها الحقيقى على الإنسانية والعالم، كونها تشكل تهديدا. وهذا يعنى اعطاء الامن والاستقرار للدول الحليفة الأولوية التى تستحقها. وذلك يعنى قبول حقيقة الحاجة إلى سنوات من الجهد مع الدول الغير مستقرة لتغيير الأنظمة. كما يعنى، التعامل مع العواقب الإنسانية، وفهم مدى عمق التهديد الذى يحمى الإسلام من التطرف الدينى العنيف. وأخيرا، على كل الأطراف بذل مجهود كبير لإيجاد هيكل أمنى قابل للتفاوض، ذى مصداقية فى الخليج بهدف التخفيف من سباق التسلح الحالى. قد يستغرق ذلك سنوات قبل مفاوضات جدية ممكنة، ولكن هناك حاجة إلى إقامة شكل من أشكال المفاوضات التى تنتج مزيدا من الثقة بين إيران والمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى، بدون خلق مخاوف عربية جديدة أو تمكين إيران.