قد يكون للنائب اسماعيل نصر الدين قناعاته الراسخة وراء دعوته لإجراء تعديلات دستورية على المادة 140، لتسمح بتمديد فترة رئاسة الجمهورية لتصبح 6 سنوات بدلا من 4 فقط، ولعدد غير محدود من الدورات، ولكنه فشل فشلا ذريعا فى اقناعى بأسبابه التى أعلن أنها وراء سعيه لإقرار هذه التعديلات، والتى تنحصر فى أن الرئيس السيسى يحتاج إلى وقت أطول لتنفيذ برنامجه السياسى، لأن الرئيس نفسه لم يطرح أى برنامج انتخابى إبان ترشحه للرئاسة!.
ومع ذلك، فقد تكون هنا أسباب أخرى وراء إقدام النائب على هذه الخطوة، والتى بدأ فى تنفيذها فعليا يوم الأحد الماضى بجمع توقيعات من أعضاء البرلمان، للتصويت على هذه التعديلات فى إحدى الجلسات العامة، قبل طرحها للاستفتاء الشعبى، رغم انه كان من الواجب على هذا النائب ان يطرح هذه الأسباب للنقاش المجتمعى قبل تحركه داخل البرلمان، خاصة أن اقتراحه لهذه التعديلات يثير العديد من التساؤلات المهمة، منها ما يتعلق بموقف الرئاسة أساسا منها، وبمدى القبول الشعبى لها فى هذا التوقيت الذى يشهد موجات متتالية من ارتفاع الأسعار، والذى يتزامن مع الأحداث الدامية التى تعرض لها الأقباط فى العريش.. ومنها ما يتعلق بالحرج الذى قد يصيب أعضاء المجلس إذا رفضوا التعديلات، أو إذا رفضها الشعب فى الاستفتاء المزمع تنظيمه.. ومنها ما يتعلق بما إذا كانت هناك ترتيبات فى الكواليس لكى يقوم هذا النائب بهذه الخطوة، خاصة أن هذا النائب لم يقدم لنا أى توضيح لمبرراته السياسية وراء تقديمه تعديلات على المادة 190 تتعلق بنزع اختصصات مجلس الدولة الحصرية فى مراجعة القوانين المعروضة عليه، ليقتصر دوره على مراجعة مشروعات القوانين قبل إرسالها إلى مجلس النواب.!
الغموض الذى يحيط بتحركات هذا النائب، تستدعى للذاكرة تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ عامين قبل انتخابات البرلمان التى قال فيها إن «دستور مصر كتب بنية حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة»، والتى تلتها حملات من بعض القوى السياسية على رأسها «تيار الاستقلال وتحالف الجبهة المصرية، مطالبة بتمديد الفترة الرئاسية لـ 6 سنوات، ثم اختفت تماما هذه الحملات بمجرد إحجام الرئيس عن فتح الموضوع مرة أخرى!
هذه الغموض يمتد أيضا إلى طبيعة ومغزى هذه التعديلات، وهل تعنى مد الفترة الحالية للرئيس السيسى سنتين إضافتين وتأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها فى 2018؟ أم أنها ستطبق على الرئيس الفائز فى هذه الانتخابات أيا كان اسمه؟ وما هو التكييف الدستورى والقانونى لإضفاء الشرعية على تأجيل الانتخابات الرئاسية؟ وإذا لم يتم تأجيلها فما هو السبب للقيام بهذه التعديلات الآن؟
خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يواجه الرئيس السيسى أى معارضة سياسية تذكر ضد توجهاته الاقتصادية والطبقية بكل القرارات الصعبة التى تحملها ملايين المصريين، لم تندلع ضده أى مظاهرات، ولم تشهد الشوارع احتجاجات لها قيمة، وحتى وقف اتفاق تعيين الحدود البحرية مع السعودية، جاء بحكم قضائى وليس بتحركات شعبية من أى نوع، ومن هنا فإن الرئيس لم يواجه أى صعوبات خارجة عن إرادته عرقلت تنفيذه لبرنامجه، وتتطلب مد فترته الرئاسية الأولى، خاصة أنه يستطيع الترشح لولاية ثانية، ستوفر له الوقت الكافى الذى يرى النائب ومن يؤيدونه، أن الرئيس يحتاجه.
اللعب مع الدستور بهذه الطريقة ينتقص من هيبة الدولة، وينتقص من البرلمان، بل ويسىء للحياة السياسية كلها فى مصر!