السلام الضائع!
محمد عصمت
آخر تحديث:
الجمعة 27 مارس 2009 - 11:03 ص
بتوقيت القاهرة
قبل أن يجف الحبر الذى وقع به اتفاقية كامب ديفيد فى 26 مارس 1979، كان السادات قد أصاب المجتمع المصرى بـ«شرخ» قسمه إلى نصفين.. الأول رأى فيما فعله السادات «ضربة معلم»، وأنه ضحك على بيجين وأخذ منه سيناء مقابل ورقة!
أما النصف الثانى، وأنا منهم، فقد أغضبه ما فعله السادات، لأنه بزيارته للقدس اعترف بإسرائيل وأعطاها كل ما كانت تحلم به وأكثر، وحصل على مقابل أقل بكثير مما كان يمكن أن يحصل عليه لو لم يقم بهذا «الشو المسرحى» الذى وقع ــ رحمة الله عليه ــ فى أسره طوال عمره!
ورغم أننى شبه متيقن من أن هناك أسرارا مهولة تحيط بترتيبات الزيارة وعلاقة السادات بوزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كسينجر.. إلا أن هناك شيئا لا يزال يحيرنى حتى الآن، وهو أن السلام الذى حارب من أجله السادات واغتيل أيضا بسببه، جاء ومعه آفات اجتماعية لم تشهدها مصر، إلا فى أحط مراحل تاريخها.. فقد صاحب السلام انتهاكات مريعة فى حقوق الإنسان وتضييق هامش الحريات مع تضخم حاد فى مؤسسات الفساد كما ونوعا، وارتفاع فى معدلات الجريمة وانحطاط فى الأخلاق، والتقليل من قيمة المرأة والتحرش بها نهارا جهارا فى الشوارع، وزيادة حدة الاحتقان الطائفى، وانتشار العشوائيات، وانهيار التعليم، وإصابة نصف الشعب بأمراض مزمنة كالكبد الوبائى والكلى والسكر وارتفاع ضغط الدم، وانتشار الاكتئاب والإدمان بشكل وبائى.
فإذا كان كل هذا هو ثمار السلام الذى دفع السادات حياته ثمنا له.. فماذا كنا سنفعل مع بعض وفى بعض فى حالة الحرب.. هل كنا سنتحول إلى أكلة لحوم القطط والكلاب ثم البشر كما فعل فقراء القاهرة خلال مجاعة ألمت بمصر فى إحدى فترات حكم المماليك كما قال الجبرتى؟
ومع أن تسويق السلام خلال حكم السادات ارتبط بوعود شخصية منه بتحقيق الرخاء وتلبية كل احتياجات الناس الاستهلاكية، فقد جاء الانفتاح الاقتصادى لــ«يشقلب» حياة المصريين رأسا على عقب ويزيد من معدلات الفقر، وليطيح بكل منجزات المرحلة الناصرية، واغتيل الرجل ومصر على أعتاب أزمة اقتصادية طاحنة اعترف بها خلفه الرئيس مبارك ولا نزال نعانى منها بعد 28 عاما من حكمه، وهو ما يجعلنا نتساءل عن سر الارتباط بين معاهدة كامب ديفيد وهذه الأزمات الاقتصادية التى تلاحقنا كتفا بكتف مع كل الأجيال التى شهدت توقيع المعاهدة وحتى الآن.
وقد كان من الطبيعى أن نراجع أسباب هذا الانهيار فى بنية الدولة فى مصر، وأن نسأل عن أسباب تفشى النصابين فى حياتنا الاقتصادية والسياسية بل الثقافية
أيضا.. ولكن هل يفسر كل ما سبق أسرار هزيمتنا السياسية والاقتصادية رغم هذا الانتصار العسكرى الكبير الذى حققناه على سادس أقوى جيش فى العالم آنذاك؟
إذا كنت تعرف الإجابة اتصل على تسع تسعات تسعين تسعة واربح 500 جنيه!