التدخل العسكرى الأمريكى.. من أيزنهاور إلى أوباما
محمد السماك
آخر تحديث:
الأحد 27 مارس 2011 - 9:45 ص
بتوقيت القاهرة
مرّ أكثر من نصف قرن على تحرر العالم العربى من الاحتلال الاستعمارى الأجنبى، الفرنسى والإيطالى فى المغرب العربى، والبريطانى والفرنسى من مشرقه.
ومنذ ذلك الوقت تعرّض العالم العربى إلى أربعة أنواع من التدخلات العسكرية الخارجية.
حدث التدخل الأول فى عام 1958 عندما نزلت قوات البحرية الامريكية ــ المارينز ــ فى بيروت إثر الانقلاب العسكرى الذى أطاح بالملكية فى العراق. وقد جرت عملية الإنزال بحجة الاستجابة إلى طلب رئيس الجمهورية اللبنانية فى ذلك الوقت كميل شمعون الذى كان يواجه معارضة وطنية ضد مساعيه لتمديد ولايته الرئاسية. يومها كان الرئيس اللبنانى متعاونا مع رئيس الحكومة العراقية نورى السعيد الذى كان يعمل من أجل توسيع القاعدة العربية لحلف المعاهدة المركزية. وهو الحلف الذى كانت تتزعمه الولايات المتحدة ويضم إلى جانب العراق كلاّ من إيران (الشاه) وتركيا والباكستان.
لم يكن التدخل العسكرى فى لبنان يستهدف الدفاع عن الرئيس اللبنانى بقدر ما كان يستهدف الدفاع عن الأردن خوفا عليه من الوقوع بين براثن الانقلاب العراقى.
ولعل التدخل العسكرى الثانى كان فى الكويت فى عام 1990 لتحريره من الاجتياح العراقى الذى قاده الرئيس السابق صدام حسين. وقد تميز هذا التدخل بأمرين أساسيين. الامر الاول هو استجابته لطلب الدولة الكويتية. والأمر الثانى هو مشاركة دول عربية عديدة فى عملية التدخل لعسكرى. فالمشاركة العربية لم تكن مجرد مشاركة شكلية لتوفير الشرعية العربية للتدخل الأمريكى، ولكنها كانت مشاركة مباشرة وفعالة من حيث توفير القواعد العسكرية، والتمويل المالى. وفوق ذلك القوات المقاتلة.
وقد أثمرت تلك العملية عن تحرير الكويت وانسحاب القوات العراقية. وبهذه النتائج قضى بالقوة العسكرية على أول عملية اجتياح دولة عربية تقوم بها دولة عربية أخرى.
أما التدخل الثالث فقد قامت به الولايات المتحدة بقرار منفرد منها فى عام 2003 واستهدف العراق، على خلفية الزعم بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل وانه يتعاون مع تنظيم القاعدة، وانه بذلك يشكل خطرا على الشرق الأوسط، وعلى أمن ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها فى العالم.
طبعا ثبت أثناء الحرب، وجزم بعدها، ان هذه الاتهامات لم تكن صحيحة، بل كانت مفبركة. وان القرار باجتياح العراق اتخذ مباشرة بعد عملية 11 سبتمبر 2001.
تميز هذا التدخل العسكرى بافتقاره إلى الشرعيتين العربية، ممثلة بالجامعة العربية، والدولية ممثلة بالأمم المتحدة. كما تمثل بعدم مشاركة أى دولة عربية فى تلك العملية العسكرية التى تحولت إلى احتلال للعراق أدى إلى سقوط أكثر من مليون قتيل عراقى وأكثر من خمسة آلاف جندى أمريكى.
ولا تزال تداعيات هذا التدخل العسكرى مستمرة حتى اليوم، ليس فقط من حيث استمرار وجود قوات عسكرية أمريكية، ولكن من حيث ما آل اليه العراق بعد الاحتلال من تمزيق نسيجه الوطنى على أسس طائفية (إسلامى ــ مسيحى) ومذهبية (سنى ــ شيعى) وعنصرية (عربى ــ كردى ــ تركمانى).
كذلك تميز هذا التدخل بمشاركة عدد من الدول الأجنبية بضغط أمريكى وتحت المظلة الأمريكية، كانت بريطانيا أهمها. الا ان تلك الدول انسحبت من تلك العملية الواحدة بعد الاخرى لتبقى القوات الأمريكية وحدها حتى اليوم.
ويعكس التدخل العسكرى الرابع الذى استهدف ليبيا الدروس والعبر الفادحة الثمن التى تعلمتها الولايات المتحدة من عملية تدخلها فى العراق. ذلك ان التدخل فى ليبيا تميز بأمور مهمة هى:
1 ــ صدور موقف عربى أولا بسحب الشرعية من نظام العقيد معمر القذافى، ثم بتوجيه النداء إلى الأمم المتحدة لفرض حظر جوى على ليبيا.
2 ــ وتحت غطاء هذا الموقف العربى الذى صدر عن جامعة الدول العربية اتخذ مجلس الأمن قراره الشهير رقم 1973 بشرعية التدخل العسكرى الدولى فى ليبيا.
3 ــ رغم الدور الدبلوماسى الفعال الذى لعبته الولايات المتحدة من وراء كواليس الجامعة العربية، ومن أمام كواليس مجلس الأمن، فقد نأت واشنطن بنفسها وبحلف شمال الأطلسى عن قيادة التدخل تاركة هذا الأمر لفرنسا. علما بأن فرنسا كانت فى عام 2003 برئاسة الرئيس السابق جاك شيراك ضد الاجتياح الأمريكى للعراق.
4 ــ تولت فرنسا برئاسة الرئيس نيقولا ساركوزى قيادة عملية التدخل العسكرى تحت غطاء عربى ــ افريقى ــ دولى وفـّره المؤتمر الذى عقد فى باريس يوم السبت 18 مارس 2011. وتحت مظلة هذه الشرعية المشتركة، وبمشاركة عسكرية عربية، وباستبعاد كلى لقوات حلف شمال الأطلسى، جاء التدخل ليعكس شكلاّ ومضمونا الدروس المستفادة من الأخطاء الفادحة التى لا يزال يجسدها التدخل الأمريكى المنفرد فى العراق.
لقد عاقبت الولايات المتحدة الرئيس العراقى السابق صدام حسين ولكنها خلافا لكل ادعاءاتها لم تحمِ الشعب العراقى الذى لايزال يعانى حتى اليوم من تداعيات اجتياحها له. بل ان معاناته اتخذت أشكالا جديدة نتيجة للانقسامات الداخلية من جهة ونتيجة لسقوط جدار الممانعة الذى كان يشكله النظام السابق فى وجه التمدد الإيرانى نحو دول مجلس التعاون الخليجى ونحو العراق تحديدا.
فهل يتمكن التدخل العسكرى الجديد فى ليبيا من حماية الشعب الليبى من معاناته الدامية.. وهل يحفظ لليبيا وحدتها التى يخشى أن تتصدع وتنهار تحت ضربات الفتنة التى عصفت بها على النحو الذى حدث فى العراق؟
لقد عرف العالم العربى نوعا آخر من التدخل العسكرى ولكنه كان تدخلا غير مباشر. وكان السودان مسرحا لهذا النوع من التدخل والذى أسفر عن تقسيمه إلى شمال وجنوب. ومع استمرار التدخل غير المباشر فى دارفور، فانه يخشى أن لا يكون خطر التقسيم قد توقف عند هذا الحد.
كما عرف العالم العربى تدخلا عسكريا فى عام 1956 من خلال العدوان الثلاثى البريطانى ــ الفرنسى ــ الاسرائيلى على مصر اثر قرار الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس. كان التدخل العسكرى ــ الاحتلالى يستهدف إسقاط النظام وإعادة السيطرة الأجنبية على القناة، الا ان من أسباب فشل ذلك التدخل ــ وليس كل الأسباب ــ كان الموقف الامريكى الذى اتخذه الرئيس الأسبق الجنرال داويت ايزنهاور والذى ادى اضافة إلى التعاطف السوفييتى مع مصر، إلى لىّ أذرع القوى الثلاث (فرنسا وبريطانيا واسرائيل) مما اضطرها إلى الانسحاب من القناة، ومن ثم الإقرار بسيادة مصر على القناة.
ان المقارنة بين الموقف الأمريكى من التدخل العسكرى فى مصر فى عام 1956، والموقف الأمريكى من التدخل العسكرى فى العراق فى عام 2003، يرفع الكثير من علامات الاستفهام التى قد تجد بعض الإجابات عليها فى الموقف الأمريكى من التدخل العسكرى فى ليبيا فى عام 2011.
صحيح ان اوباما ليس ايزنهاور.. ولكنه على الأقل ليس جورج بوش.