الزمن الصعب.. بيل جيتس وسكة السلامة
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 27 مارس 2020 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
لا يذكر التاريخ أن اجتمع العالم واتحدت دوله على اختلاف سياساتها وممارساتها كما يحدث الآن فى مواجهة عدو شرس لا يمكن للإنسان أن يراه لدقة وصغر حجمه.. فيروس كوفيد ١٩ من مجموعة فيروسات كورونا انعقدت قمة العالم للدول الغنية العشرين بعد أن وفر العلم والتكنولوجيا المتطورة الوسيلة التقنية الباهرة التى جعلت الأمر ميسورا عليهم عبر وسائل الاتصالات عابرة القارات، اجتمعوا دون أن يغادر أحد منهم مكانه فى بلده، استقرت مناقشاتهم على قرارات تستخدم المليارات فى محاولة لدرء خطر الفيروس ومجابهته، يذهب النصيب الأعظم من تلك الميزانية الهائلة إلى دعم أسواق المال وشركات الطيران لا إلى وسائل الرعاية الصحية ومواجهة العدوى.
عقلى لا يستوعب القرار! وفقا لطبيعة عملى الذى أفنيت فيه عمرى.. أرى أن حياة الإنسان لها الأهمية المطلقة وأن توفير وسائل الوقاية والعلاج للبشر جميعهم دون الأخذ فى الاعتبار الحدود الإقليمية التى وضعها الإنسان بنفسه.. العلاج للجميع والوقاية لكل البشر.
العالم بأسره للمرة الأولى فى تاريخ البشرية يجب أن يتخذ قرارا موحدا لإنقاذ الإنسان فى زمن صعب، يجب أن تزول اليوم الحدود على الكرة الأرضية، التحدى بالفعل بالغ القسوة، لكن انتصار الإنسان بالعلم والعقل وارد بل وأكيد إذا ما سلمت النوايا وخلص القصد.
تحضرنى صور من الماضى البعيد والقريب لها دلالة قوية على صدق حدسى، هناك الكثيرون من أصحاب البصيرة الذين حذروا من يوم آت له ملامح ذلك الزمن الصعب.
أذكر كلمات الزعيم الكوبى فيدل كاسترو فى مواجهة محاولة الغزو الأمريكى لبلاده منفعلا متهدج الصوت يخاطب العالم: «نحن لا نملك سلاحا نوويا ولا نرسل طائراتنا لتقصف بلادا آمنة، لا نصنع القنابل لتدمير العالم، إنما لدينا جيش من العلماء والأطباء نشأوا على دعم رسالة الإنسان وحياته، هم عالقون على صنع اللقاحات والأمصال لمواجهة الأمراض وغزو الفيروسات».
أذكر بقوة محاضرة هامة لمن أعتبره آخر رجال العالم من أهل العزم بيل جيتس وقد وقف وخلفه صورة كبيرة لفيروس H1N1 محذرا العالم من الخطر الحقيقى القادم: «الحرب القادمة لن تستخدم فيها الأسلحة التقليدية لأنها لن تكون بين إنسان وآخر إنما بين البشر والفيروسات».
بيل جيتس أغنى رجل فى العالم والذى يعيش عيشة بسيطة كأبناء الطبقة المتوسطة ينتهى به اليوم إلى عشاء عائلى يجمعه بأسرته ليشارك بعده زوجته فى غسيل الأطباق! سخر بيل جيتس كل ما كسب فى حياته لتصنيع اللقاحات الواقية من الأمراض فهل انتبه العالم لما يفعل؟
كان عالمنا دائما لأصحاب الصوت العالى وتجار الحروب: المليارات والتريليونات تنفق على تطوير الأسلحة واختراع كل ما هو قادر على الفتك بحياة البشر وأذى الطبيعة حتى انتهى بنا الأمر إلى حرب من نوع جديد لم نحسب لها حسابا.. لم ننصت أبدا لمحبى الحياة بل تبعنا تجار الموت محترفى السياسة.
اليوم استمعت إلى بيل جيتس يتحدث للرئيس الأمريكى قائلا: «لو أنا مكانك لفرضت العزل الكامل لمدة ستة أسابيع على البلاد وطبقت قوانين ملزمة ووفرت وسائل وقاية للناس، هذا أمر سترى مردوده: سينحسر الفيروس ويتضاءل الخطر ولن نعانى من ضرورة توفير غرف الرعاية المركزة.. فقط ابدأ».
هذا صوت العلم والعقل والإنسانية فى الزمن الصعب.. لا تنتظروا أن تهدى لكم شركات الأدوية علاجا ناجحا أو لقاحا واقيا واذكروا جيدا أنهم يستثمرون أموالهم فى علاج أمراض واسعة الانتشار يدوم أذاها مثل السرطان وأمراض القلب والشرايين، لا يجب أن يخضع البحث العلمى لقوانين التجارة، على العالم أن يدعم العلم فى معامل إنسانية وحتى ينتبه العالم إلى أن حياة الإنسان وحماية الطبيعة هى المعادلة الأبقى.. أرجوكم الزموا منازلكم فيها أقيموا الصلوات وأعيدوا حساباتكم وادعموا عمل جنود الرعاية الصحية واستعيدوا علاقاتكم بأنفسكم وعائلاتكم.
أنصتوا لبيل جيتس ورفاقه، فتلك والله هى سكة السلامة.