مؤشر الكراهية
غادة عبد العال
آخر تحديث:
السبت 27 أبريل 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
إذا كنت من المحظوظين اللى بيتاح ليهم السفر خارج مصر الحبيبة كل فترة وربنا بينعم عليك تخرج من المرستان السياسى الاقتصادى الاجتماعى اليومى بتاعنا، وتطل يومين تلاتة على بنى آدمين طبيعيين عايشين حياة طبيعية فى بلد ماشية فى خط مستقيم مش فى زجزاج زينا أكيد بتحصلك 3 مراحل من الاندهاش: أول ما بيلفت نظرك كمواطن مصرى صميم هم الستات، لبسهم طبعا، نوعية وظايفهم زى إن اللى توصلك من المطار للفندق سواق تاكسى أو أتوبيس، حريتهم فى الشارع اللى بتختلف جذريا عن نظرة الخوف والتلفت التلقائى اللى بيميزوا سير المرأة المصرية فى الشارع المصرى المتدين بطبعه. ثانى ما يلفت نظرك طبعا المقارنة اللى مالهاش أى لازمة بين وسائل الحياة فى البلد الكافرة دى والعياذ بالله وبلدنا الضارب بجذوره فى عمق التاريخ، من نظافة ونظام واحترام لآدمية المواطن وكل هذا الأشياء التى لا قيمة لها وبتعتبر كماليات فى بلدنا الحبيب. أما ثالث ما قد يلفت انتباهك فهى ردود أفعال المصريين فى الخارج على ما يحصل داخل الوطن، فى زيارة امتدت 10 أيام لدولة فرنسا الشقيقة بدعوة مشتركة من دار نشر فرنسية والمركز الثقافى المصرى بباريس كان لقائى مع مراحل الانبهار التلاتة: الستات وحريتهم، البلد ونظافتها، المصريين وانطباعاتهم عن اللى بيجرى فى البلد، بيقولوا دايما الابتعاد عن الشيء بيخلى العين تشوفه أصح وتكتشف تفاصيله بشكل أوضح، وإن البعد عن أتون المعركة بيخلى المراقبين أهدى وأكتر حيادية وبيديهم افرصة يحللوا المشكلات ويخرجوا بحلول أكثر عملية وقابلة للتنفيذ. فى الغالب اللى قال كده ما حضرش ندوة فى إحدى دول أوروبا محاضرها وجمهورها من المصريين، فى الندوات المقامة فى المركز الثقافى المصرى بباريس ترى صورة مصغرة من مصر، لا يغرنك صوت أم كلثوم الهاديء أو نغمات أغانيها المريحة للأعصاب، فالنقاش دائما ساخنا وليس دافئا، تنقسم القاعة لقسمين، قسم مؤيدى النظام وقسم معارضى النظام، حتى وإن ابتعد موضوع النقاش عن السياسة، وهو فيه موضوع ما بنعرفش إحنا المصريين إننا نحشر فيه السياسة باحتراف منقطع النظير؟ الاستقطاب هو الاستقطاب، والحدة هى الحدة، هجوم مؤيدى النظام الحاكم دايما بياخد شكل جماعى، بيعترضوا بعنف منظم كجماعة كما هو الحال هنا بالظبط، ومعارضى النظام الحاكم دايما فرادى، ما بيجمعهومش غير المكان اللى قاعدين فيه ليس أكثر.
طول المحاضرة فيه ناس بتدخل تقعد فى جزء ما من القاعة وبعدين بيكتشفوا إن الجزء ده معظم الجالسين فيه أتباع فكر معين فبينتقل الوافد الجديد للجزء الآخر وكأن الاستقطاب ما ينفعش يبقى بس فكرى، لكن لازم يبقى فيزيائى كمان. التناوش بن الطرفين عمره ما بياخد شكل هادئ، عمرها ما تبقى حجة أمام حجة ودليل قدام دليل، لازم رفع أصوات وإشارات بالإيد ومحاولة التدافع للاشتباك بالأيدى كأى خناقة فى حارة بلدى تقدس طقوسها التاريخية الملوثة. الفرنسيين اللى كانوا موجودين كانوا بيتفرجوا بذهول، وكأنهم بيتفرجوا على برنامج عالم الحيوان يوم الجمعة بعد الصلاة، من تجربة قصيرة ــ و لا أظنها كافية للحكم بشكل موضوعى ــ لكن حسيت إن رغم بعد المسافة، مناخ الاستقطاب الكريه بيخيم على كل المصريين، ومؤشر الكرهية فى ارتفاع جنونى بين طرفين، فى الداخل أو فى الخارج الأمر سواء، الشعور مش متعلق بالمكان ولا بالظروف اللى الشخص بيعيشها، لأن زى ما الأخبار بتطير والأفكار بتطير، فالكره كمان له جناحات وقادر على الوصول لكل مكان. اللى بنشوفه فى عيون بعض ماعادش اختلاف، ولا سوء تفاهم، ولا تعذر فى الفهم، أصبح بيقترب اقترابا خطيرا من حد الكراهية، يمكن كان أسهل عليا أشوفه من فوق المنصة مش فى وسط الجمهور، وكان أسهل وأسهل أشوفه وقت المناقشة فى عيون الأجانب المذهولين من كم التحفز والتلاكيك والاستقصاد والتشنج وتلقف الخطأ.
أصبحت البلد مقسومة نصين فعليا، مش على أساس أحزاب وحركات سياسية، لكن على مستوى الشعب، وكلمة «شعب» من المفترض إنها تحمل جواها ضمنيا كلمة «وحدة» مش اجتماع على كل شىء، لكن على الأقل على ثوابت ومبادئ أولها هو «الوطن»، لكن لما نوصل لمرحلة قيادة بتضع مصلحة الأهل والعشيرة فوق مصلحة باقى ناس، و«الوطن» وثوابته بالنسبة لها «ند» وليس هدف، يبقى قول يا رحمن يا رحيم على القيادة ومن بعدها البلد.
إذا لم تكن القيادة السياسية المفترض إنها حكيمة واخدة بالها من إنها كل يوم بتدفع مصر تجاه حالة من الفرقة والتناحر وبتزق الشعب أكتر وأكتر لحدود الكراهية، فيجب إن حد ينبهها، إنها على الأقل فى غضون سنتين تلاتة، هتحل فيهم الكراهية فى كل ركن من الأركان، البلد دى ممكن تتبخر، وساعتها القيادة الحكيمة مش هتلاقى شعب تقوده، وبالتالى مش هتلاقى بلد تحكمه.