ثروات فى مقالب النفايات
وائل زكى
آخر تحديث:
الثلاثاء 27 أبريل 2021 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
كثير من مشترياتك الغذائية المغلفة كأكياس شرائح البطاطس أو غيرها ربما يكون غلافها أغلى ثمنا مما يحتويه من أغذية، وهى مغلفات معالجة كيميائيا لتحفظ المنتج ولا تتفاعل معه، وهناك علاقة وثيقة بين اختيار نوعية المغلف ومكوناته ونوعية المنتج بل والمواد الحافظة للمنتج ذاته لإدامة صلاحيته للاستهلاك الآدمى، أيضا هناك أغلفة أو عبوات تحوى مواد غير غذائية ولكنها معالجة للحفاظ على ما بها من مواد كعبوات شيكارة الأسمنت مثلا التى لا تسمح بتأثر الأسمنت بالرطوبة، أو مغلفات الأدوية التى تحافظ على تعقيم التعبئة، والعبوات البلاستيكية والزجاجية التى تحوى سوائل للشرب أو لمواد منظفة وغيرها، وجميع تلك العبوات بموادها المصنوعة منها وبقايا ما كانت تحتويه تشترك فى مصير واحد هو حاويات القمامة ثم مقلب النفايات الذى يحوى إضافة لما سبق مخلفات إلكترونية وبطاريات كهرباء صغيرة ولمبات عادية أو موفرة، كلها كيماويات إن تركت فى مقالبها دون معالجة تفاعلت مع أشعة الشمس ومنها ما يتفاعل مع الرطوبة أو مع الحرارة أو يتأثر بكل هذه العوامل وينتج عنها أبخرة وغازات ومواد محللة بفعل البكتريا والكائنات الطفيلية.
***
وتتأثر البيئة فى المناطق المحيطة بمقلب النفايات كالهواء بما يحمله من غازات والتربة بما فيها من مياه جوفية وغيرها من عناصر، ومن هذه المخلفات والنفايات ما لا يتحلل ويظل قطعا كالزجاج ومخلفات مواد البناء كالطوب، ومنها ما يتحلل بسرعة ومنها ما يأخذ سنوات ليتحلل إلى عناصره الأولية، بل إن منها مخلفات عضوية مدفونة لفترات زمنية طويلة تحولت إلى سوائل خطرة تنتج عند تعرضها للهواء غازات سامة تهدد الحياة، وعلى قدر هذه الخطورة لمقلب النفايات فإن له تصميما وقواعد هندسية وبيئية لكى يطلق عليه مكب نفايات صحى، ويتم الكب والردم والمعالجة فيه بشكل سليم مما يحد من أخطاره وتأثيراته البيئية، ويظل المكب يستقبل كميات النفايات إلى أن يصل للحد الذى لا يستوعب عنده المزيد، هذا يعنى أن موقع المدفن يغلق ولن يستخدم مرة أخرى بل على الإدارة البحث عن موقع آخر تبدأ فيه قصة الكب والدفن مرة أخرى، والحل يكمن فى التخلص من النفايات بشكل تام من خلال عمليات تدوير أى تحليلها إلى عناصر ومعالجتها حيث يمكن الاستفادة بها وإدخالها فى صناعات مفيدة وطبقا لمعايير صناعية وبيئية سليمة.
فالوجه الإيجابى فى وجود تلك المكبات ومدافن النفايات الصحية كونها تمثل مثلا ثالث أكبر مصدر لغاز الميثان فى الولايات المتحدة، الغاز الذى يعد المكون الرئيسى فى الغاز الطبيعى كما يدخل فى صناعات عديدة أخرى، وهو غاز عديم اللون والرائحة وقابل للاشتعال لذلك فإن الغاز الطبيعى المستخدم فى بيوتنا مضاف إليه مواد ذات رائحة لكى ننتبه عند تسربه، وقد ذهب المتخصصون إلى إطلاق مسمى غاز المكب Landfill Gas على ذلك الخليط الغازى المدفون والذى يستخرج ويتم تحليله للحصول على الميثان وغازات أخرى منها ثانى أكسيد الكربون، وهناك عمليات استفادة مباشرة من تلك المستخرجات فى مكانها بمكب النفايات لتوليد الطاقة، وأخرى تنقل عبر مواسير وتدخل فى إنتاج الغاز الطبيعى وغيرها تعبأ فى أسطوانات للبيع مباشرة، كما تدخل باقى عناصر المكب خاصة المخلفات الصلبة والمختلطة فى عمليات تدوير عبر معالجات حرارية تنتهى بإنتاج الفحم العضوى ومستخرجات تدخل فى إنتاج الأسفلت طبقا للمواصفات القياسية، أيضا تعالج مخلفات البناء لينتج منها تبليطات الأرصفة كالإنترلوك وبردورات الأرصفة وغيرها، فهل تمتلك مصر شيئا من هذه المصادر الغنية؟
يبدو السؤال الأخير استفزازيا أكثر منه استفهاميا لبديهية إجابته حيث تمتلك مصر قدرا كبيرا من مكونات المدافن الصحية إلى جانب حجم إنتاج سنوى يعد بعشرات الملايين من الأطنان ذات جدوى اقتصادية لإقامة منظومة متكاملة بيئية وصناعية لتدوير تلك المخلفات، وتتنوع مكبات النفايات فى مصر ما بين العضوى والصلب، وأخطر تلك المكبات ما يحوى خليطا بين هذا وذاك كمكب نفايات الوفاء الأمل بالقاهرة الذى يعد الأضخم أيضا، وهناك مكبات فى القليوبية والمنوفية والدقهلية تحوى ملايين الأطنان من النفايات المختلطة، ويحضرنى معلومة أن مدينة باكو عاصمة أذربيجان، ولن أذهب لأميركا وأوروبا، عالجت نصف مليون طن من النفايات الصلبة فأنتجت 230 جيجاوات من الكهرباء تكفى احتياجات 50 ألف أسرة وقد تكلف المشروع نحو 380 مليون يورو أسهم فيها أحد البنوك العاملة فى مصر بنحو 40% من تكلفته، أى أن هناك قناعات اقتصادية ومالية بجدوى الاستثمار فى مجال تدوير المخلفات على هذا القدر المتواضع من حجم المخلفات فى مدينة باكو مقارنة بما تنتجه مصر من مخلفات يومية ونفايات بمكباتها المغلقة حاليا وتنتظر تدويرها، وليس من المستغرب أن عرضت بعض دول شرق آسيا أن تستورد من مصر مخلفاتها، نعم مخلفاتنا ونفاياتنا مطلوبة للتصدير.
***
اهتمامنا بما يؤرقنا يوميا ينصب على مشكلة جمع القمامة حتى التخلص منها وما نتكلفه من أعباء مادية وبيئية هو أحد أوجه المنظومة المتكاملة لجمع المخلفات وتدوير النفايات وتحقيق الجدوى الاقتصادية منها، والحقيقة أنه الوجه الأقل كلفة على أهميته الكبرى بل أنه مع كل الجهود التى تبذل لجمع القمامة والمخلفات فليست هناك دولة حققت الجمع بنسبة 100% من جميع أرجائها إلا القليل بل والأقل ما يستطيع تدوير 99% منها الجمع كالسويد، وفى بلدنا توضح إحصاءات وزارة البيئة أنها نجحت فى رفع كفاءة الجمع إلى 65% بعد أن كان لا يتعدى 55% حتى عام 2018، كما تتضمن خطط الوزارة زيادة نسبة التدوير للنفايات إلى 60% مما يتم جمعه بحلول عام 2025، ما يعنى أننا حتى تلك السنة نأمل أن نقوم بتدوير ما يقرب من 40% من جملة ناتج مخلفاتنا، فهل تفى نسبة الجمع هذه بغاية طموحاتنا لحل مشاكل تراكم القمامة وإهدار ما ينفق على حلها؟ وهل تفى نسبة ما نستهدفه بالتدوير إلى جملة إنتاجنا من المخلفات بغاية آمالنا لاستخدام اقتصادى لتلك الثروة المكنونة فى النفايات؟
إن قانون إدارة المخلفات الجديد رقم 202 لسنة 2020 ولائحته التنفيذية يتيحان مجالا رحبا لوضع منظومة متكاملة تبدأ من أساليب الجمع حتى التدوير والإنتاج الاقتصادى لعناصر تدخل فى توفير الطاقة لصناعات متنوعة كالأسمنت والأسمدة والأسفلت والفحم العضوى واستخراج غازات أخرى تدخل فى صناعات عديدة كالكلوروفورم وغيره، كما يعول على المنظومة وضع أساليب للجمع تفتح بابا لمشاركة أهلية وتشغيل شباب بالآلاف، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال ربط نظام الجمع بنظام التدوير فى إطار استثمارى شامل يبدأ من تناول المخلفات حتى يسلمها منتج نهائى أو عنصر يدخل فى عمليات إنتاجية أخرى، ولدى وزارة البيئة دراسات غير مسبوقة حول عناصر ومكونات المخلفات والنفايات طبقا للطبيعة الثقافية بكل محافظة وإقليم اقتصادى فى مصر ولديها من الدراسات ما يعين المستثمر لوضع خططه فى هذا المجال، وكل ما يحتاجه هو وضع إطار لمنظومة واضحة ومحفزة وتعاون إدارى وفنى منفتح على تطبيق تكنولوجيات حديثة ومستحدثة، مع تضافر القطاع الأهلى فى ابتكار سبل للجمع وتدوير ما يمكن تدويره فى مواقعه لإنتاج بسيط كالأسمدة مثلا، وتشجيع هذه النوعية من الأنشطة والصناعات تؤتى ثمارها سريعا وتتحول مع لمس عوائدها إلى ثقافة جيل يعرف كيف يلقى بمخلفاته فى سبلها الاقتصادية مع تقليل كميات الدفن الصحى للنفايات حتى لا يتحقق غلق مكبات النفايات فقط بل عدم الحاجة لوجودها إن استطعنا تدوير المخلفات فى مصادرها أولا بأول.