الخل الوفى لعيش مبارك وملحه

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الإثنين 28 مايو 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

قضيت وقتا ليس بالقليل فى التنقل بين المقار الانتخابية أتفرس فى وجوه الناخبين فى الصفوف الطويلة، طوال ساعات يومى الانتخاب. وكنت أبحث عن رد على سؤال يحيرنى هل يقوى أحد ممن نام لأيام فى ميدان التحرير، أو حتى نزل يوما واحدا فى أى ميدان آخر من ميادين الثورة، أو مجرد انه لمح مشهدا على شاشات الفضائيات، من مشاهد المجازر التى حدثت فى موقعة الجمل أن يمسك قلما، ويعلم بيده على اسم أحمد شفيق رئيسا لهذا البلد؟!.

 

عندما كنت أتفرس الوجوه كنت أتفهم بعضا منها، وأجد لهم عذرا على ما ينتوون فعله. فهؤلاء الذين ذاقوا الشهد، فى عهد الرئيس الراقد على السرير، ينتظر الفرج على يد تلميذه، الذى مازال باقيا على العهد، ومعتبره مثله الأعلى، هؤلاء لهم كل الحق. فلماذا لا يحرصون، بل ويبذلون الغالى والنفيس قدر ما يستطيعون وبأكثر منه فى أن يحافظوا على مكتسباتهم؟.

 

 هذه المكتسبات التى لن يأتى مرشح آخر يمكن أن يحافظ لهم عليها، سوى شريك ورفيق نفس الطريق. فعندما يتعلق أمل بعض رجال الأعمال سواء الذين ينتسبون للحزب الوطنى بالقلب، أو بكارنيه العضوية أن يأتوا لنا بحسنى مبارك رئيسا مرة أخرى، متناسين من مات، أو خلعت عيناه، أو فقد أحد أطرافه من أجل خلع كل ما يمت الصلة بمبارك الأب، أو الابن، أو الصديق، أو التلميذ.

 

 لن استغربهم كثيرا لأنى سأقول إن هؤلاء لديهم حجتهم جاهزة. فهم يرون أن الحى أبقى من الميت، وأن أحدا لم يقل لهؤلاء أن يضحوا بما ضحوا به، وأن الغاية تبرر الوسيلة. وإن بقاء الأوضاع على ما هى عليه، افضل كثيرا من البحث عن المجهول. لأن هذا المجهول بالنسبة لهم سيحمل بالتأكيد خصما من مكتسباتهم، وأرباحهم، وأصولهم، وقصورهم، ومنتجعاتهم لأن رئيسا آخر غير شفيق لن يرضى بما كانت عليه الأوضاع مهما كان هذا الرئيس.

 

فمن عاش وتحمل وهو وزير ومسئول فى ظل نظام حكم أوصل المصريين فيه إلى حال يجعل ربعهم يعيشون بـ256 جنيها فى الشهر. يأكلون، ويشربون، ويدفعون إيجارا لجحور يسكنون فيها، ويدفعون كهرباء إذا كانت بيوتهم تدخلها أصلا، ويتعالج المريض فيهم فى اللحظات الأخيرة من المرض وغالبا لا يجدى العلاج. ويركب أفرادها اتوبيسات غير آدمية يحشرون فيها.

 

 ويتعرض معظهم إلى التخلى عن حلم تعليم ابنائهم لقلة الحيلة فيبقون فى دائرة العمل كزبالين، وكناسين، ويخرج الواحد فيهم من المدرسة، حتى قبل أن يتعلم يفك الخط ليعمل صبى مكوجى، أو بقالا، أو ميكانيكيا ويحرم من كان يحلم أن يكون طبيبا يعالج الفقراء، أو قاضيا يقيم العدل لصالح المظلومين، أو ضابطا يحمى الضعفاء من بطش أصحاب النفوذ يحرمون جميعهم من الحلم.

 

تفهمت هؤلاء الذين ستظل مصلحتهم مع مبارك وتلميذه النجيب، لذلك كان صوتهم فى جيب من يحافظ على مصالحهم. وتفهمت ايضا موقف الفقراء المعدمين الذين ليس لديهم اى أمل فى هذا البلد، ولا يجدون فارقا جوهريا بين برنامج شفيق وغيره فهم اعتادوا حياة التهميش.

 

 ومن قلة حيلتهم باتوا مقتنعين بأنه لا قوة على الأرض سوف تصلح من أوضاعهم. فعندما تذهب اليهم أتوبيسات تشحنهم إلى المقار الانتخابية جراء أى أموال، مهما كانت قليلة، أو وظيفة مهما كانت متدنية هى أفضل لهم من قلتها. خاصة أنهم اعتادوا أن صوتهم لا قيمة له.

 

أما هؤلاء الذين ليسوا هم من المهمشين، ولا هم من سادة القوم فلا أجد لهم عذرا لكى ينتخبوا الخل الوفى لمبارك.

 

 هذا الخل الوفى لعيش مبارك وملحه، الذى لم ينس يوما ولى نعمته ورئيسه المخلوع مبارك الذى تمثله كمثل أعلى له.

 

 ويبدو أن العيش والملح بالفعل جعله ينجذب إلى برنامج الحزب الوطنى القديم الذى دشنه مبارك الابن. فقد استبدل شفيق فى برنامجه الانتخابى مشروع (الألف قرية) الأكثر فقرا التى كان يتشدق بها جمال مبارك وحزبه المنحل بمشروع (الألف مدير) حيث ينص برنامجه على تدريب ألف كفاءة مصرية كل عام كى يتولوا المناصب القيادية.

 

 بل الحق يقال إن برنامج الحزب الوطنى كان أكثر تماسكا من البرنامج الهزيل لشفيق. الذى من هول هزله ينص على محاربة الفقر، دون حتى أن يذكر كلمة واحدة عن نسب الفقر الحالية، أو نسبة الفقر التى ينتوى تخفيضها كل عام. أو من أن يبدأ برنامجه للقضاء على الفقر.

 

ويبدو أن من كتب برنامجه كان يكتبه على عجل فهو ينص على مضاعفة موازنة الصحة، دون حتى أن يذكر أن موازنة الصحة فى الموازنة الحالية لا تزيد على 4.5% ولا نعرف ما إذا كان ينوى رفعها فى العام المالى الحالى، أو على مدى اربع سنوات فترة الرئاسة أو فى العام المقبل.

 

 كما يتحدث عن نظام تأمين صحى شامل، وهو بنفس القدر من الاستخفاف بالعقول يتحدث عن مضاعفة موازنة التعليم، وصندوق للتأمين ضد البطالة. وزيادة عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعى، ووضع حد أدنى للأجور، دون أن يذكر تقديره لهذا الحد، وما إذا كان سيطبق على الحكومة والقطاع العام فقط أو على القطاع الخاص ايضا.

 

 ويحدثنا عن زيادة المعاشات ومشروع لإسكان محدودى الدخل. كل هذه الأوهام دون أن يحدثنا بكلمة واحدة يوضح فيها من اين سيأتى بهذه الموارد. كما أنه لم يشغله كثيرا الحديث عن دور الدولة فى النشاط الاقتصادى، ولعله اراد أن يقول أن كل شىء سوف يظل على حاله.

 

وبالطبع لا الفريق شفيق، ولا من كتب له البرنامج خطر ببالهم أن يذكروا شيئا لا من قريب ولا من بعيد عن زيادة الضرائب على رجال الأعمال، أو فرض ضريبة تصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة، أو أى حديث عن ضرائب عقارية جديدة، أو ضرائب على الأرباح الرأسمالية، مثل الأرباح المتحققة من

تعاملات البورصة. كل ما فعله شفيق أنه جاء بطلاء برنامج الحزب الوطنى باللون الأزرق بدلا من الأخضر.

 

إلى هؤلاء الذين يصرون على إعادة حسنى مبارك من أصحاب النوايا الطيبة، الذين هم بالتأكيد ليسوا من صلب مبارك ولا من أدعياء بنوته، ولكن هم فقط صدقوا أن من استطاع أن يعيش فى مستنقع فاسد، دون أن ينطق بكلمة، لم يتطلخ بالفساد.

 

 ونسوا أن من جاور الفاسد لابد أن يفسد مادام قد قبل بهذه الجيرة. اعلموا يا اصحاب النوايا الطيبة الذين تذهبون إلى الانتخابات بحثا عن دعاوى زائفة بالاستقرار أنكم تخونون كل من أغمض عينه آخر مرة وهو ينظر إلى سماء هذا البلد ليودعها واثقا من أن دمه لن يذهب هدرا. وراضيا بألا يراها مرة أخرى، فى مقابل أن يعيش أهله فيها مرفوعى الرأس.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved