«زلزال» قطب ..و «مقياس» ناجح ابراهيم
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 28 مايو 2013 - 9:12 ص
بتوقيت القاهرة
قبل أن ترسو على شاطىء التطرف الدينى ، شهدت حياة سيد قطب تحولات فكرية صاخبة ، وتناقضات سياسية حادة ، بدأها الرجل فى مطلع شبابه ب"حالة من الشك والارتياب فى الحقائق الدينية إلى أقصى حد" ،استمرت معه قرابة 15 عاما مابين 1925 إلى 1940 كما قال هو بنفسه بالحرف الواحد ، وقد مارس خلال هذه السنوات النقد الأدبى بمدارسه الغربية ، وتتلمذ على يد العقاد وحارب خصومه دفاعا عنه ،ثم دخل فى خلافات حادة مع استاذه وهاجم شعره الذى وصفه بأنه سقيم ، كما نشرفى هذه المرحلة من عمره ديوانه الوحيد " الشاطىء المجهول " الذى تبرأ منه فيما بعد واعتبره من آثار جاهليته ، كما يقول د.محمد حافظ دياب فى كتابه سيد قطب – الخطاب والايديولوجيا ".
فى شبابه أيضا ، كان يميل للأفكار الإشتراكية والعدالة الاجتماعية، مؤيدا حق العمال فى تكوين نقاباتهم ووضع حد أدنى للأجور ، ثم تراجع عن هذه الأفكار مطالبا بالتكافل الاجتماعى عن طريق الزكاة وإحسان الأغنياء على الفقراء ، ثم انضم إلى حزب الوفد ، ثم هجره إلى أحضان السعديين ، وأيد معاهدة 1936 وهاجم الإخوان المسلمين الذين عارضوها آنذاك ، ثم هاجم هو المعاهدة وقال إن "ايدى من وقوعها ملوثة "، ثم بدأ يهاجم الاشتراكية بدعوى معارضتها للإسلام ، وبعد عودته من رحلته الشهيرة إلى امريكا عاد ليهاجم الرجل الغربى الابيض، باعتباره الخطر الحقيقى على الاسلام وليس الشيوعية ولا الاستعمار .
رجل بمثل هذه التحولات الحادة، ليس غريبا عليه أن يجد فى أفكار أبو الأعلى المودوى حول"الحاكمية لله "، منهلا يستند إليه فى أفكاره الأخيرة حول جاهلية المجتمع ، مشددا على أن وجود الدين الإسلامى هو وجود حاكمية الله ، وأنه إذا انتفت الحاكمية انتفى وجود هذا الدين ، مؤكدا أن مشكلة هذا الدين في الأرض اليوم هى قيام الطواغيت – اى الحكام الديكتاتوريين - التي تعتدي على ألوهية الله ، وتغتصب سلطانه ، وتجعل لأنفسها حق التشريع بالإباحة والمنع. كما يؤكد قطب ان المعركة الحقيقية التي خاضها الإسلام ليقرر « وجوده » لم تكن هي المعركة مع الإلحاد ، ولم تكن هي المعركة مع الفساد الاجتماعي أو الفساد الأخلاقي - فهذه معارك تالية لمعركة « وجود » هذا الدين، واعطاء الحاكمية لله وحده فقط.
ومع انتشار هذه الفكرة وسط التيارات الإسلامية الجهادية ، يخوض القيادى السابق بالجماعة الإسلامية والباحث الاسلامى المعتبر ناجح ابراهيم ، والذى التقيته منذ عدة أيام، معركة مهمة لتحرير المصطلح الإسلامى ، وفى القلب منها فكرة " الحاكمية لله " حيث يطرح ابراهيم مفهوم " الحاكمية " على ارضية مغايرة لما استقر عليه الكثير من التيارات الإسلامية، مشيرا إلى ان قطب كان يقصد من وراء حديثه عن الحاكمية إلى ابراز حقيقة إيمانية مجردة ، وهى حق الله سبحانه وتعالى فى ان يضع لعباده من القواعد والتشريعات التى تصلح دنياهم وآخرتهم ، موضحا ان البعض ذهب بهذا المفهوم بعيدا فخلطوا بين حاكمية الله وبين حق البشر فى التشريع لنفسهم فى حدود ما أمر به الله ، لتنطلق هذه التيارات من " الحاكمية " إلى الصدام مع مجتمعاتهم المسلمة واطلاق أوصاف الكفر والجاهلية عليها ، ومؤكدا أيضا أن حاكمية الخالق لا تعنى تكفير الخلائق ،وأن الدعاة إلى الله هداة لا قضاة، وأن رحمة الله وسعت كل شىء .
أهمية كتابات وأفكار ناجح ابراهيم تأتى لكونها تطرح برنامج عمل ينزع فتيل التطرف الدينى من حياتنا السياسية ..وهو ما يفرض علينا أن نلقى الضوء على مهمة الرجل لضبط المصطلحات الاسلامية وتحديد معانيها حتى لا يساء توظيفها من قبل البعض فى اسباغ الشرعية الدينية على العنف ضد الدولة أو ضد مخالفيهم فى الرأى .. وهو ما حاولت السطور السابقة أن تفعله.