موت الدولة المحايدة

أحمد الصاوى
أحمد الصاوى

آخر تحديث: الإثنين 27 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هذه النتيجة هى أفدح ما يؤدى إليه قرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية منع العسكريين وأعضاء هيئة الشرطة من التصويت.

 

قبل أن تنجرف فى تسييس الحديث ووضعه على موازين الاستقطاب الجارية فى مصر، أو إعادة انتاج الصراع والتلاسن بين المحكمة الدستورية والأطراف السياسية، لابد أن تتدبر فى حقائق الأمور، لأننا بالفعل فى مواجهة حدث جلل إن لم يكن كارثة.

 

أولئك الذين يفتحون النار على المحكمة الدستورية بالاتهامات الجاهزة والمعلبة حول القضاء الذى يقود الثورة المضادة، إنما يحاولون التغطية على فشلهم ومراهقتهم وعنادهم فى انتاج دستور مشوه غير محكم ولا ناضج، تظهر عوراته مع كل ممارسة، وبدلا من البحث عن حلول للخروج من هذا النفق دون مكابرة، يحولون الأنظار من جديد لمعركة مع المحكمة الدستورية.

 

أولا: تعمل المحكمة الدستورية حاليا بتشكيلها وصلاحياتها واختصاصاتها وفقا للدستور الذى صنعته السلطة ومؤيدوها والمتعاطفون معها أو الذين كانوا كذلك.

 

ثانيا: احتكمت المحكمة لنصوص واضحة فى هذا الدستور تؤكد المساواة بين المواطنين وعدم التمييز، وتساوى بين المواطنين فى حق ممارسة الحقوق السياسية، وهذه النصوص لم يستثن واضعوها المواطنين من منتسبى القوات المسلحة والشرطة من هذا الحق، سواء فى مواد الحقوق السياسية أو حتى فى مواد تنظيم عمل الجيش والشرطة.

 

هذه مشكلة من وضعوا الدستور، وأقروا الرقابة السابقة للمحكمة على قانون الانتخاب، لا تصدق كل كذاب أو مضلل يحدثك عن أن المشكلة فى قضاة المحكمة ونواياهم أو انحيازاتهم ضد الثورة، فلم تفعل المحكمة إلا ما طُلب منها، وذات النص الموجود فى المادة 55 من الدستور الحالى كان موجودا فى دستور 71 فى المادة 62، التى تحدثت أيضا عن أن الانتخاب حق لكل مواطن، والمواطنون فى الأصل سواء، ولم تعترض عليه المحكمة الدستورية طوال الأربعين عاما الماضية، لأن أحدا لم يطعن عليه أو يدفع ببطلانه، ولم تكن المحكمة تملك حق الرقابة السابقة كما امتلكت بالدستور الجديد.

 

لكنك إذا انجرفت فقط «لخناقة» بين المحكمة وتيارات سياسية، ستنشغل عن الكارثة الحقيقية، التى تتمثل قى قتل الدولة المحايدة تماما، فالأصل أن هناك مؤسسات يجب ألا تنحاز سياسيا على رأسها الجيش والشرطة، ومنح أعضائها حق التصويت ينقل ببساطة الاستقطاب السياسى الحاصل فى المجتمع إلى داخل ثكنات الجيش والشرطة، فيتنازع الضباط لأن أحدهم مؤيد لهذا الحزب وذلك مؤيد للحزب المعارض، أو تنفتح الثكنات المنضبطة للمرشحين السياسيين، وفى النهاية تجد لديك ضباطا ليسوا فقط منشغلين بالشأن العام، وإنما لديهم انحيازات معلنة وواضحة.

 

كنت أعتقد أن جزءا من حل مشاكل هذا البلد وسط هذه السيولة السياسية هو زيادة المؤسسات المحايدة سياسيا، وترسيخ نموذج الدولة المحايدة، لتكون إدارة الدولة مشاركة بين الناخبين المنحازين الذين يختارون القيادات السياسية، والمؤسسات المحايدة التى لا تملك انحيازات، وترسيخ هذا المفهوم من القوات المسلحة والشرطة إلى القضاء والأزهر والكنيسة والأجهزة الرقابية.

 

السياسة تقتل الحياد، وتقليص أركان الدولة المحايدة حتى تنزوى تماما بإدخال السياسة إلى الجيش والشرطة قتل لهذه الدولة، لكن مواجهة ذلك يحتاج لحلول دستورية وتشريعية وليس لخناقة زاعقة وسافلة، مع محكمة دستورية كل ما فعلته أن أدت واجبها كما نص دستور «العجلة تدور».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved