الذكاء الاصطناعي.. والديمقراطية.. والنظام العالمي

تقارير
تقارير

آخر تحديث: الأحد 28 مايو 2023 - 12:38 م بتوقيت القاهرة

التطور الواضح الذى طرأ على نماذج الذكاء الاصطناعى الجديدة تجاوز توقعات الخبراء. ويعتقد الكثير منهم أن قدوم هذه التكنولوجيا من شأنه أن يشكل تهديدا وجوديا للبشرية. فى ظل هكذا تخوف، موقع Project Syndicate ومجلة The Economist نشر مقالين حول التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعى على الحقوق والحريات وبالتالى النظام الديمقراطى، وكيفية ضمان حوكمة أفضل لهذه التكنولوجيا لاستخدامها فى الخير وليس الشر... نعرض من المقالين ما يلى:
بادئ ذى بدء، عملت الإبداعات الخارقة ولقرون من الزمن ــ من اختراع المطبعة والمحركات إلى ظهور السفر جوا والإنترنت ــ على دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتوسيع نطاق القدرة على الوصول إلى المعلومات، وتحسين الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية بشكل كبير. لكن مثل هذه التطورات التحويلية كان لها أيضا تأثيرات سلبية، ولن يكون انتشار أدوات الذكاء الاصطناعى بهذه الوتيرة السريعة مختلفا.
ففى مقال على موقع Project Syndicate للكاتبين؛ مانويل مينيز وسمير ساران، جاء فيه إنه وإن كان صحيحا أن الذكاء الاصطناعى قادر على أداء مهام يكره الأفراد القيام بها لملايين من البشر، لكنه قد يعمل أيضا على تعزيز إنتاج ونشر الأخبار الزائفة؛ وإزاحة العمل البشرى على نطاق ضخم؛ وخلق أدوات خطرة ومدمرة وقد تكون معادية لوجودنا ذاته. بعبارة أخرى، الذكاء الاصطناعى سيخلف تأثيرا كبيرا على حقوقنا وحرياتنا الأساسية، وعلاقاتنا، والقضايا التى نهتم بها، بل وحتى معتقداتنا الأشد رسوخا.
فى ذات السياق، جاء فى المقال المنشور فى مجلة The Economist، للكاتب يوفال نوح، إنه على مدى العقد الماضى، كانت وسائل التواصل الاجتماعى ساحة معركة للسيطرة على انتباه الإنسان. لكن مع الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعى، ستتحول جبهة المعركة من جذب الانتباه إلى العلاقة الودية. إذ يمكن للذكاء الاصطناعى تكوين علاقات قوية وعاطفية مع الناس، واستخدام قوة هذه العلاقة لتغيير آرائهم ووجهات نظرهم للعالم.
حقوق الإنسان ثقافة أنشأناها من خلال سرد القصص وكتابة القوانين. الآلهة كذلك ليست حقائق مادية، بل نشأت من خلال اختراع الأساطير، والكتب المقدسة. لكن ماذا سيحدث بمجرد أن يصبح الذكاء غير البشرى أفضل من الإنسان العادى فى سرد القصص وتأليف الألحان ورسم الصور وكتابة القوانين والنصوص المقدسة؟!
المهم هو أنه من غير المجدى تماما قضاء بعض الوقت فى محاولة تغيير آراء الذكاء الاصطناعى، بل الأخير سيعمل على صقل رسائله بدقة بحيث يكون لديه فرصة جيدة للتأثير علينا.

• • •
السؤال الذى نواجهه هو كيفية التأكد من أن أدوات الذكاء الاصطناعى الجديدة تُستخدم للخير وليس للشر.
بداية، الذكاء الاصطناعى وغيره من التكنولوجيات الناشئة تستلزم حوكمة أفضل، وخاصة على المستوى العالمى. لكن الدبلوماسيين وصناع السياسات الدولية كانوا يتعاملون تاريخيا مع التكنولوجيا على أنها مسألة «قطاعية» من الأفضل أن تُـترَك لوزارات الطاقة أو المالية أو الدفاع ــ وهو منظور ضيق قاصر يذكرنا باعتبار حوكمة المناخ حتى وقت قريب حـكرا على الخبراء العلميين والفنيين. الآن، مع احتلال المناقشات التى تتناول قضية المناخ مركز الصدارة، يُـنـظَـر إلى حوكمة المناخ على أنها مجال فوقى يتألف من مجالات أخرى كثيرة، بما فى ذلك السياسة الخارجية. وعلى هذا فإن بنية الحوكمة اليوم تهدف إلى عكس الطبيعة العالمية التى تتسم بها هذه القضية، بكل ما تنطوى عليه من فوارق دقيقة وتعقيدات.
وأشارت المناقشات التى دارت فى إطار قمة مجموعة السبع الأخيرة التى استضافتها مدينة هيروشيما، إلى أن الحوكمة التكنولوجية ستتطلب نهجا مماثلا. ذلك أن الذكاء الاصطناعى وغيره من التكنولوجيات الناشئة ستغير بدرجة كبيرة مصادر القوة وأساليب توزيعها وفرضها فى مختلف أنحاء العالَـم. إذ سوف تسمح هذه التكنولوجيات بنشوء قدرات دفاعية وهجومية جديدة، وخلق مجالات جديدة تماما للصدام والمنافسة والصراع ــ بما فى ذلك فى الفضاء الإلكترونى (السيبرانى) والفضاء الخارجى. وسوف تحدد ماذا نستهلك، فتعمل حتما على تركيز عائدات النمو الاقتصادى فى بعض المناطق، والصناعات، والشركات، فى حين تحرم آخرين من الفرص والقدرات المماثلة.
فى مقال Project Syndicate، المشار إليه أعلاه، ذكر الكاتبان أن استجابة المجتمع الدولى يجب أن تشمل عددا كبيرا من الاتفاقات الدولية. على سبيل المثال، صياغة اتفاقيات جديدة (على مستوى الأمم المتحدة) للحد من استخدام تكنولوجيات بعينها فى ساحة المعركة. سيكون إبرام معاهدة تحظر صراحة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل بداية جيدة؛ وسوف تكون اتفاقيات تنظيم الفضاء السيبرانى ــ وخاصة الأعمال الهجومية التى تديرها روبوتات مستقلة ــ ضرورية بذات القدر.
كما يشكل إنشاء ضوابط تنظيمية تجارية جديدة ضرورة حتمية. إن الصادرات غير المقيدة من تكنولوجيات بعينها من الممكن أن تمنح الحكومات أدوات قوية لقمع المعارضة وتعظيم قدراتها العسكرية بشكل جذرى. علاوة على ذلك، لا يزال العالم فى احتياج إلى تحسين أدائه بشكل كبير فى ما يتصل بضمان تكافؤ الفرص فى الاقتصاد الرقمى، بما فى ذلك من خلال فرض الضرائب المناسبة على مثل هذه الأنشطة.
كذلك، من شأن عمليات النشر غير المنظمة للذكاء الاصطناعى أن تخلق فوضى اجتماعية، الأمر الذى من شأنه أن يفيد الأطراف المستبدة ويدمر الديمقراطيات. ويبدو أن قادة مجموعة السبع يدركون بالفعل أن من مصلحة الدول الديمقراطية، فى ظل الخطر المحتمل الذى يهدد استقرار المجتمعات المفتوحة، أن تعكف على تطوير نهج مشترك لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعى. إذ تكتسب الحكومات الآن قدرات غير مسبوقة فى ما يتصل باصطناع الرضا والقبول والتلاعب بالرأى. عندما تقترن بأنظمة مراقبة هائلة، يصبح بوسع القوة التحليلية التى تتسم بها أدوات الذكاء الاصطناعى المتقدمة خلق وحوش تكنولوجية عملاقة: دول وشركات تعرف كل شىء وتملك القدرة على تشكيل سلوك الفرد وقمعه، إذا لزم الأمر، داخل وعبر الحدود. ومن الأهمية بمكان عدم الاكتفاء بدعم الجهود التى تبذلها منظمة اليونسكو لإنشاء إطار عالمى لأخلاقيات الذكاء الاصطناعى، بل وأيضا الدفع باتجاه ميثاق عالمى للحقوق الرقمية.
• • •
كلمة أخيرة، منذ عام 1945، عرفنا أن التكنولوجيا النووية يمكن أن تولد طاقة رخيصة لمنفعة البشر ــ ولكن يمكنها أيضا تدمير الحضارة البشرية ماديا. لذلك اتجه المجتمع الدولى لحماية البشرية، وللتأكد من أن التكنولوجيا النووية قد استخدمت فى الأساس من أجل الخير. والآن، نتعامل مع سلاح جديد للدمار الشامل يمكن أن يقضى على عالمنا العقلى والاجتماعى.
قال نوح، فى مقاله على مجلة The Economist، المشار إليه أعلاه: يجب علينا التصرف بسرعة. فى حين أن الأسلحة النووية لا تستطيع اختراع أسلحة نووية أكثر قوة، يمكن للذكاء الاصطناعى أن يجعل ذكاء اصطناعيا أقوى بشكل كبير. تتمثل الخطوة الحاسمة الأولى فى المطالبة بفحوصات أمان صارمة قبل طرح أدوات ذكاء اصطناعى قوية فى المجال العام. تماما كما تفعل شركة الأدوية، إذ لا تستطيع الأخيرة إطلاق عقاقير جديدة قبل اختبار آثارها الجانبية قصيرة المدى وطويلة المدى، لذلك لا ينبغى لشركات التكنولوجيا إطلاق أدوات ذكاء اصطناعى جديدة قبل أن تصبح آمنة.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النصوص الأصلية:
http://bitly.ws/FCSC

http://bitly.ws/FCSL

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved