معجزة الصين.. إنجاز للشعب أم للقادة؟
دوريات أجنبية
آخر تحديث:
الإثنين 27 مايو 2024 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
قام الكاتب، هوارد فرينش، فى مقاله المنشور على مجلة فورين بوليسى الأمريكية، بعرض كتاب لعالم الاجتماع الصينى بجامعة كاليفورنيا، وانج فنج. الكتاب بعنوان: (عصر الوفرة فى الصين: الجذور والصعود والعواقب). يتناول الكتاب ما الذى ينبغى للمرء أن يفهمه بشأن الصين، نعنى صعودها الاستثنائى، وطموحاتها العالمية الهائلة، ومستقبلها. فى كتابه، بدلا من التركيز على أى عامل منفرد، يعرض وانج سلسلة من العوامل المتشابكة التى ساهمت بطرق معقدة وغير متوقعة فى انطلاقة البلاد... نعرض هذه العوامل فيما يلى:
صحيح تجارب الصين المعروفة فى مجال الزراعة كانت لفترة طويلة بمثابة إصلاح رئيسي، لكن إلى جانب هذا يوجد تغيير حاسم آخر لم يحظ باهتمام كبير وهو موجة هائلة من التصنيع المبكر فى الريف (وهذا هو العامل الأول وفقا لوانج). إذ بحلول منتصف التسعينيات، كان 40% من القوة العاملة الريفية تنتج السلع الصناعية فى الريف الصينى. وفى عام 1995، أنتج العمال الريفيون أكثر من نصف إجمالى الناتج الصناعى فى الصين.
لم تبدأ الهجرة الجماعية إلى المدن الصينية بشكل جدى إلا فى النصف الثانى من التسعينيات بعد فترة طويلة من بداية التصنيع الريفى. تاريخيا، كان التحضر سمة رئيسية للعديد من الانطلاقات الاقتصادية، بما فى ذلك الانطلاقة الاقتصادية فى اليابان، وقبل ذلك بكثير، فى الولايات المتحدة. ولكن فى الصين، كان للتوسع الحضرى سمتان خاصتان؛ الأولى: نظرا لأن العديد من الوافدين الجدد إلى المدن كانوا يتمتعون بالخبرة الصناعية، فقد كانوا أفضل استعدادا للدخول مباشرة إلى وظائف المصانع. أما الثانية، فكان الصناع المهاجرون من الريف يحصلون على أجور وفوائد اجتماعية أقل بكثير من تلك التى يحصل عليها سكان المدن الموجودون من قبل. فضلا عن ذلك فإن عمال المصانع كانوا يتمتعون بقدر ضئيل من الحماية من قِبَل النقابات العمالية، التى كانت تخضع لسيطرة الحكومة.
صحيح ما سبق شرحه للتو يتطابق مع النظرية القائلة بأن الصين كانت تمتلك مجموعة كبيرة من العمالة الرخيصة خلال فترة انطلاقتها، لكن وانج يشير إلى أن هذا يبالغ فى تبسيط الأمور إلى حد كبير. إذ لا يمكن إنكار وجود تمييز ضد الأشخاص الذين لا ينتمون إلى المدن الكبرى الغنية، لكن الوافدين الجدد إلى المناطق الحضرية وصلوا رغم ذلك وهم يتمتعون بسمات خاصة كانت حاسمة فى تعزيز النمو السريع فى البلاد: فقد كانوا يتباهون بارتفاع معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة والصحة الجيدة بشكل عام. وكانت هذه ثمارا ملموسة للمساواة الاجتماعية خلال سنوات حكم ماو. وبالنسبة لوانج، فإن هذا يعنى أن الوافدين الجدد إلى المناطق الحضرية لم يكونوا مجرد مصدر رخيص للعمالة، وكانوا أيضا قادرين على أداء مهام معقدة. ومع ذلك، الدولة لم تبدأ أيا من هذه التحولات، فمثل هذه المبادرات الشعبية واجهت فى كثير من الأحيان مقاومة من قبل الحكومة فى البداية، قبل أن تقبلها وتحتضنها. لذا يرى وانج أن الشعب الصينى، وليس قادته، هو الذى أنتج «معجزة الصين».
• • •
هناك عاملان آخران فى نهضة الصين، مثيران للاهتمام بشكل خاص، ويتعلقان بالتاريخ والثقافة. يجادل وانج بشكل جدى ومنطقى أن العنف والفوضى اللذين رافقتا الثورة الثقافية لعبا دورا قويا فى دفع النمو السريع فى الأعوام التى تلت عام 1976. ففى نهاية هذا العقد المضطرب، الذى انتهى بوفاة ماو، كان الشعب الصينى مشوشا ومرهقا للغاية، ومصابا بخيبة الأمل. يقول وانج: «لقد كانوا يتوقون إلى التغيير، وإلى حياة تتمتع بمزيد من الرخاء المادى، والاستقرار الاجتماعى، واللياقة الإنسانية».
• • •
يتمثل الجزء الأخير من العوامل التى استند إليها وانج لتفسير انطلاقة الصين فى الانفتاح على الأفكار الجديدة، والمناقشة، والخطابات المتنوعة، والتى ازدهرت بشكل نسبى فى فترة الإصلاح بالصين. إذ يقول أن النمو الاقتصادى بلغ ذروته فى عام 2007، وأن انفتاح الصين وتسامحها بلغ ذروته فى العقد التالى.
لكن منذ وصول شى جين بينج إلى السلطة فى عام 2012، كان النمو والحريات الفكرية فى انحدار حاد. فقد كانت عودة دولة الحزب جنبا إلى جنب مع تقليص نوع من التنوير الصينى لا تبشر بالخير بالنسبة لمستقبل البلاد. وتوضح الأجزاء المختصرة نسبيا من كتاب وانج عن العقود المقبلة أن الصين سوف تواجه رياحا معاكسة قوية، ومع ذلك هذا لا يرقى إلى مستوى التنبؤ بالانهيار أو التراجع، لكن وانج يعتقد أن معدلات النمو المرتفعة أصبحت شيئا من الماضى. وإحدى أهم الرياح المعاكسة هى التركيبة السكانية، لا يعنى ذلك أن الاتجاه سيكون نحو الانخفاض السكانى. فوفقا لمتوسط توقعات شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة، فمن المتوقع أن يتقلص عدد سكان الصين، الذى يبلغ اليوم 1.4 مليار نسمة تقريبا، إلى أقل من 800 مليون نسمة بحلول عام 2100.
سوف يؤدى تسارع شيخوخة السكان إلى تكاليف اجتماعية عالية تتعلق بالتقاعد، والأمراض المزمنة، ورعاية المسنين والمسنات. ويتوقع وانج أن الحكومة الصينية سوف تحتاج بحلول عام 2030 إلى إنفاق ما يقرب من نصف إيراداتها على التعليم، والرعاية الصحية، ومعاشات التقاعد، على افتراض عدم وجود زيادة فى سخاء هذه البرامج. على سبيل المثال، إذا أرادت الصين توفير مستوى من الرعاية الصحية ودعم المعاشات التقاعدية يتناسب مع متوسط عام 2009 للدول الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، فسيتعين عليها إنفاق ثلثى إجمالى الإيرادات الحكومية على هذه الخدمات فقط بحلول عام 2030. وأكثر من 100% بحلول عام 2050. وكما يتنبأ القرار الذى اتخذته الصين مؤخرا برفع أسعار نقل الركاب على شبكات السكك الحديدية عالية السرعة، فإن حتى تكاليف صيانة البنية التحتية الجديدة للنقل يمكن أن تصبح مسئولية مالية كبيرة، مع تقلص قاعدة الأشخاص المستخدمين بالتزامن مع تقلص عدد السكان.
• • •
إن هذا المستقبل الديموغرافى وعواقبه القاسية تعنى ضمنا اتخاذ قرارات سياسية شاقة من شأنها أن تشكل اختبارا قاسيا لنظام غير ديمقراطى صارخ يحجب المعلومات عن شعبه ويحميه من أى نقاش بناء. لكن حتى فى ظل وجود الإنترنت - وإن كان خاضعا لرقابة مشددة - وفى ظل الحصول على التعليم العالى، والسفر الدولى، لا يمكن أبدا العودة إلى الوضع الذى يهيمن فيه زعيم واحد على عقول أمة كبيرة جدا، كما كان الحال فى عهد ماو. لكن هذا لم يمنع الرئيس «شى» من المحاولة.
باختصار، إن كان زعماء الصين فى الماضى بطيئين فى فهم إمكانات مجتمعهم ونموه، إلا أنهم الآن يقللون بشدة من أهمية الجانب السلبى لعودة الدولة المهيمنة.
ترجمة: ياسمين عبداللطيف