ديمقراطياتك يا مصر

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: الإثنين 27 يوليه 2009 - 6:30 م بتوقيت القاهرة

 على أثر سفر صديقة من صديقاتى لبلاد الفرنجة وبالتحديد (إنجلترا) فأنا أعيش منذ أكثر من أسبوع فى المركز العالمى للصداع النصفى.. شوارعهم يا سوسة.. أتوبيساتهم يا سوسة.. عواميدهم يا سوسة بلاليعهم يا سوسة.. وكله كوم و«الهايد بارك» كوم.. قال إيه حديقة كبيرة كل واحد يقدر يعبر فيها عن رأيه فى أى حاجة وأى حد من غير ما حد يكلمه.. هنا اعترضت.. لأ بأه.. «هايد بارك»؟.. هو إحنا محتاجين «هايد بارك»؟.. مصر بصراحة المفروض يضرب بيها المثل وتتبوأ مكانة متميزة بين دول العالم بسبب وجود أكثر من مكان حر ديمقراطى وأكثر من وسيلة من وسائل التعبير عن الرأى يكفلها القانون وتكفلها الحكومة وما يقدرش حد يقول لحد بيستخدمها تلت التلاتة كام.. بجانب جو الحرية والديمقراطية اللى بيسود الصحافة والتليفزيون والواضح وضوح الشمس خلف السحابة السوده.. فالمصرى ومنذ فجر التاريخ بياخد ديمقراطيته بدراعه.. لا بيستنى ترخيص جريدة ولا تصريح مظاهرة ولا مكان لقناته الخاصة على النايل سات.. عندك مثلا ديمقراطية الكتابة على الحوائط ودى شغالة من أيام الفراعنة ولغاية دلوقت.. ممكن تكتب على أى حيطة تعجبك أى كلام يعجبك.. ممكن تكتب اسمك وأسامى شلتك.. تشجع فريقك المفضل.. تعلن مشاعرك كشاب رومانسى تجاه الجو بتاعك وتخللى فضيحتها بجلاجل فى المنطقة.. تمارس دورك فى رفعة المجتمع وتكتب على كل حيطة تقابلها الحجاب قبل الحساب.. تعلن عن معهد دروس خصوصية وممكن كمان تعلن عن ترشيح عشان تبقى رئيس جمهورية (بس فى الحالة دى الديمقراطية الليلية بعد الساعة 3 الفجر هتبقى أحسنلك بكتير).. فيه ديمقراطية الراجل اللى كان بيبقى قاعد دايما ورا معلق ماتشات الكورة.. المعلق قاعد يذيع فى ماتش الزمالك والاتحاد وفجأة الراجل اللى وراه يدلى بتعليق سياسى أو اجتماعى وفى أغلب الأحيان تعليق دينى (و هو دليل دامغ إن ماتشات الزمالك بترجع الناس لصوابهم وبتعرفهم إن الله حق).. ديمقراطية ضهر العربية.. السواقين أصحاب النظرة المتعمقة والحكم التى ليس لها مثيل.. عضة أسد ولا نظرة حسد.. ماتبصليش بعين رضية أنا طلع عين أهلى فى السعودية.. الرجولة أدب والندالة دروس.. ديمقراطية قنوات الأغانى.. أى حاجة تحصل فى أى حتة فى العالم فورا يتكون رأى عام على شات قناة من قنوات الأغانى وتبدأ المواجهات.. ديمقراطية رسايل الموبايل.. شوف أى حدث يحصل فى البلد هتلاقيه مابيكملش نص ساعة بعدها بتتلقاه ساحة الحريات الموبايلية بالنقد والشرح والتحليل.. الأهلى يكسب.. البورصة تقع.. المجلس يولع.. مهند يوصل.. فى ثوانى هتلاقى الساحة الموبايلية تمتلئ بالآراء.. ديمقراطية الفيس بوك.. 300 جروب مع و1300 ضد.. ردا على أخذ رخصة (حماده) العجلاتى.. أو تعليقا على حق (لولو) الحر فى ارتداء بكينى منقط مع إن الموضة هى الزيبرا المخطط فى مارينا السنة دى.. لكن أهم الديمقراطيات وأكثر الأماكن حرية فى مصر المحروسة أم الحريات.. هى ديمقراطية بيت الراحة.. حماماتك يا مصر.. ماباتكلمش عن حرية كل شخص فى التخلص من حموله فى حمامه الخاص.. لكن باتكلم عن النفحات الديمقراطية اللى بتيجى لمواطنى مصر الأحرار فى الحمامات الحكومية.. تقف فى طابور قدام موظف 3 ساعات عشان ختم النسر وبعد ما توصل يقولك فوت علينا بكره.. لازم ولابد تسيب رأيك فى الموظف والهيئة والحكومة والنظام.. فى أحضان الجو المعبأ بأعتق الروائح وأقواها.. وعلى أنغام الموسيقى الحالمة الصادرة من عندك أو من عند اللى قاعد فى التواليت اللى جنبك.. طلع قلمك وإكتب على الباب وعلى الجدران كل اللى نفسك فيه.. ده كفاية منظر الحمام بس يخليك تقول أحلى كلام يا راجل.. وغير كده كتييير.. حد بيكلمك؟.. حد بيقولك خللى رأيك لنفسك وماتتكلمش عن حد؟.. حد بيدوسلك على أى طرف طيب؟ مين ينقطع لسانه بعد كده ويقول مصر محتاجة أماكن للتعبير الحر؟.. بص فى موبايلك.. إقرا ضهر ميكروباصك.. إفتح فيسبوكك.. أدخل حمامك.. ووقتها بس هتقدر.. ديمقراطياتك يا مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved