اللعب فى كنف النظام

إبراهيم يسري
إبراهيم يسري

آخر تحديث: الثلاثاء 27 يوليه 2010 - 10:01 ص بتوقيت القاهرة

 فى عيد الثورة المصرية أعاود التطرق لتطورات الوضع الداخلى تحت إلحاح تزايد السلبيات وتعاظم الفساد وانزلاق النظام إلى أضعف حالاته منذ 1952. فلعلنا نتفق جميعا على أن مصر تسير بسرعة كبيرة نحو أعظم انهيار فى كل المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية منذ أزمان سحيقة فى تاريخها وخاصة فى عهد النهضة الجديدة التى بدأت فى ظل حكم محمد على.

لقد حذرت من هذا المنبر من القارعة ومن تفكيك مصر، واشتبكت طوال الأسابيع القليلة الماضية فى اتصالات مع كل ألوان الطيف السياسى من الرموز والنخب ومن ذلك ما تشرفت بلقائها فى عدة دعوات، وكذلك فى ثلاث حلقات نقاشية بمكتبى حضرها جمع من القيادات والنخب والرموز.

وقد خرجت من كل ذلك بقناعة ــ أرجو أن أكون مخطئا فيها ــ وهى أن القوى المستقلة والمعارضة وكبار المعلقين والمحللين ولا أستثنى شخصى الضعيف منهم ــ يدورون فى دائرة مغلقة يسودها الغموض والإرباك بل والتخبط أحيانا، ونكاد لا نراوح مكاننا رغم مرور عدة عقود.

وقد سرنا جميعا فى إسار أمل كبير لاحت لنا أضواؤه وقوة دفعه فسارعت إليه طائفة من أكثر النخب نبلا وانتماء وانشغالا بهموم هذا الوطن وتلاطمت فيها أنماط تفكير متعددة ووسائل معروفة فى الدول الديمقراطية ولكنها جديدة علينا مثل الانخراط فى جمع التوقيعات والاعتداد بمجموعات الشبكة العنكبوتية وتصويت المصريين فى الخارج وكلها وسائل فاعلة فى الضغط على النظم السياسية فى الدول الغربية ولكنها قد لا يكون لها ذات النتائج فى مفهوم النظم المصرية، وهكذا فما لبث ضوء ذلك الأمل يبتعد ويخبو لأسباب عديدة لا وقت ولا فائدة من سبر أغوارها، وإن كنا جميعا نستشرف تداعياتها غير المواتية على الحركة الوطنية.

وجاءت انتخابات مجلس الشورى الأخيرة بنتائج صادمة لكل أمل فى الإصلاح السياسى لتؤكد إصرار النظام على تأمين سيطرته الكاملة مع تجميل شموليته وطغيانه بمنح مقاعد لعناصر هزيلة ليس لها وجود على الساحة السياسية وذلك حتى يتحاشى دخول القوى السياسية الكبرى وشخصيات المعارضة التى أثبتت عمق ولائها وجرأتها فى كشف السلبيات والتجاوزات الحكومية فى مجلس الشعب المنصرف، وعليه أصبحت صورة مجلس الشعب القادم معروفة وبشعة مهما جملها النظام.

وفى ذات الوقت سادت قناعة فى الدوائر الغربية عكستها تحليلات فى أوساطها السياسية وصحفها بأن مصر تمر بمرحلة خطيرة تهدد استقرار الشرق الأوسط، وراح بعضها يشيع أن بعض العواصم تستحسن سرعة تخلى الرئيس عن السلطة، بينما يتطلع بعضها لشخص الدكتور محمد البرادعى المعروف بصدق توجهاته الوطنية وإيمانه بالديمقراطية، بالإضافة إلى مكانته الدولية واتصالاته بدوائر صنع القرار الغربية كرئيس منقذ فى هذه المرحلة الصعبة.

وفى مواجهة ذلك نشط الرئيس مبارك بشكل ملحوظ فى زيارات خارجية ومناسبات وطنية، و بدأ مشروع التوريث يبرز من جديد بعد أن سكن وتوارى لبعض الوقت تحت ضغط القوى الوطنية فى الفترة السابقة.

ويثير إصرار القوى السياسية وخاصة الكبرى منها على دخول الانتخابات المعروفة نتائجها مقدما جدلا كبيرا فى الأوساط الشعبية والشبابية بوجه خاص ــ يثير الكثير من الجدل والاستغراب، فهو لا يصدر عن ضعف كما قد يفسره البعض، بل إن لديها قناعة أن هذا التوجه ربما كان نابعا من منطق سياسى معروف بفن الممكن، أى بسبب استبعادها لأى قدرات فى الضغط لتغيير النظام من الداخل أو تخليه تماما عن السلطة.

ومن هنا تقدر هذه القوى أنه لا يجدى إلا النهج الإصلاحى المتدرج الذى يتبلور فى الاشتباك مع النظام والبقاء فى البرلمان بأى عدد كان ليس من أجل إجبار النظام على إصدار تشريعات أو منع إصدارها، وليس من أجل رقابة برلمانية فاعلة اكتفاء بطلبات الإحاطة والاستجوابات التى تذهب فى مهاب الريح، وذلك فى مقابل بقائها فى الصورة وتخفيف سطوة القمع ضدها وطمأنة النظام أنها لا تسعى إلى تغييره من جذوره. وفى سباق هذه التفسيرات بدأ الحديث عن صفقات تحدد عدد مقاعد القوى المعارضة الكبرى، وحددت بعض هذه الأوساط بكل دقة هذه الأعداد. ومعنى ذلك أننا نسير فى حلقة مفرغة لا تبشر بأى خير.

وقد نتساءل عن جدوى هذه الصفقات فى حين تبدو خطورة هذا المنهج فى أنه يخاطر بانزلاق سريع للمجتمع وللدولة يؤدى إلى عزلها عن أمتها ويحرمها من هويتها، فضلا عن احتمالات راسخة بانهيارها تماما وتحول مصر إلى كيان فاشل وشعب فقير تتسيده 25 أسرة ترغد فى ماله وتسقيه الذل والفقر والهوان، وواضح أن هذا الوضع يستعصى على الإصلاح إذا ما دام التدهور الخطير الذى يقوده النظام فترة برلمانية أو رئاسية أخرى. وإذا صح ذلك فلن تكفى عشرات السنين لإعادة مصر لوضعها الطبيعى كدولة فاعلة وشعب ينعم بمستوى مقبول لمعيشة وحقوق الإنسان.

وقد يراهن البعض على أن التغيير سيأتى بضغوط خارجية، ويشير البعض إلى أهمية اعتبار رأى واشنطن وتل أبيب فى مسار وكيفية التغيير وترشيحات رئيس الدولة القادم، وهو أمر مهين نرفضه تماما أغلبية ومعارضة، ولكن بعض التحليلات لا تذهب إلى إهمال هـذه التوقعات وتتوقع بزوغها إذا اقتضت تطورات الوضع الداخلى وعجزت القوى على التوافق على نوع من التغيير المقبول منها.

فى حين يستشرف البعض الآخر أن التغيير سيأتى من داخل النظام على ضوء ما يطرحه البعض من طلب ضمانات وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية أو حتى تعديل المواد 76 و77 و88 من الدستور، وهذا التصور ينقصه الكثير من المصداقية حيث يستطيع النظام فرض سيطرته فى ظل هذه الضمانات أو التعديلات.

والخلاصة فى إسهامنا المتواضع أن كل التحركات فى الأوساط السياسية غير قادرة على التوصل إلى صياغة تؤدى إلى تغيير حقيقى فى إطار المشروعية، وتبقى آمال الجماهير هى التغير محبطة، بينما تزداد حدة الانهيار والتدهور ويتوحش الفساد والمفسدون.

والسؤال هنا: هل أذل القمع أعناق الرجال، وهل نستمر فى الدوران فى حلقة مفرغة مع التشدق بشعارات التغيير وضد التوريث بينما لا يتحقق أى تغيير ونسير نحو التوريث بخطى وئيدة ومؤكدة، أم أن القوى السياسية ما زالت قادرة على الضغط من أجل تغيير فاعل؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved