التفاعل السورى مع الحدث المصرى (2)
سلام الكواكبي
آخر تحديث:
السبت 27 يوليه 2013 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
بداية، عزل الإخوان المسلمين المصريين أنفسهم سياسيا عن الآخرين بقصور نظر وباستعلائية مرضية وبعجرفة شرعية انتخابية تجهل مآلات الاقتراعات العمياء فى إطار مجتمعات حديثة التعبير السياسى.
إثر ذلك، وتحت مسمى تلبية المطالبات الجماهيرية، عزلهم الجيش المصرى عن القيادة السياسية والحكومية، وبدأت سلسلة من الإجراءات غير المطمئنة على مستقبل مسار التغيير المرجو من قبل المصريين ومن يحب المصريين وما أكثرهم.
فى هذا الجو المتوتر، لربما تخلى بعض السوريين المستضافين بانفتاح وبكرم من قبل أم الدنيا، عن واجب الحياد تجاه المسائل الداخلية، وانضم قليل منهم إلى الاحتجاجات التى رافقت عزل الرئيس المصرى.
وقامت القيامة الإعلامية العنصرية لمجموعة من الكتبة ضعيفى الحجة السياسية وجزيلى الأفكار الإقصائية ضد جزء من مجتمعهم، وبالتالى، لا صعوبة فى أن تتوجه سهام الكراهية والشتائم إلى أجزاء من مجتمعات «أجنبية». تبعتها بعض الإجراءات الأمنية والإدارية التى تعرّضت للسوريين، مما أجج ردود فعل غوغائية لا تتناسب، حمدا لله، مع عنف الهجوم غير المبرر إلا من قبل بعض من ذكرت آنفا.
وبدا بأن الأثر الأهم يبقى سياسيا بامتياز. فمن جهة الأبواق الإعلامية المقربة من كل الطغاة سابقا ولاحقا، فقد اعتُبر الحدث المصرى إجهاضا محمودا ومشروعا للمخطط «الإسلاموى الامبريالى الصهيونى المريخى» المرسوم فى غرف سرية تحت الماء يرتادها مجموعة من اللئام الذين تلتقى مصالحهم على تفتيت «الأمة» وسرقة «خيراتها» وضعضعة «تلاحمها» الوطنى. وكما أن ما سبق كان جنات عدن متآلفة وطنيا ومليئة بالثروات الموزعة بالعدل والقسطاس ومنيعة على الأعداء المتربصين وما أكثرهم فى مخيلتنا الغنية.
•••
حصل ما حصل، وبدأت التأثيرات السياسية تتلاحق، وبمعزل عن التدخل فى الشأن المصرى، حتى لا أجّر إلى محاكم التفتيش النشطة هذه الأيام، أحاول أن اراقب بحذر انعكاسات الحدث المصرى على المقتلة السورية سياسيا على الأقل.
فمن جهتهم، تلقف بعض السوريين، من عاشقى الظلم والمستلذَين بالقهر، هذا الحدث وهنأوا بعضهم بعضا على اعتباره فشلا ذريعا للثورة المصرية، وعودة محمودة للعسكر المنضبط والمؤسسى إلى سدة القرار.
وبمعزل عن الجهل الفاقع لهذه الفئة المصابة بعقدة ستوكهولم بالواقع وبدور الشباب الثورى وفى مساهمة القوى السياسية التى أطاحت بالعهد المباركى الفاسد فى الحلقة الجديدة من التغيير، التى خدعها الرئيس المعزول، والتى لولا أصواتها فى الانتخابات لما نجح، فإن هذا التشفى ساهم فى تأجيج ردود الفعل المقابلة وليس فقط من المكونات الإسلامية فى الحراك السورى.
أما الإسلاميون السوريون على أنواعهم وتشعباتهم وتناقضاتهم، فقد تلقى المعتدلون منهم «صفعة» عقائدية إثر ما حصل. واعتبروا، عن حق ربما فيما يتعلق بمفاهيمهم، بأنهم قد رضوا بالهمّ على مضض (الديمقراطية) ولم يرض بهم الهمّ (الديمقراطية).
وبعيدا عن معرفة سطحية أو مجتزأة أو مشوهة للمفهوم، فقد اعتبروا، عن حق أيضا، بأن خيبة الجزائر وما تلاها فى غزة توِجت بالواقع المصرى المستجد. فعليهم إذا الاتعاظ من الدرس المصرى لتلافى «خيانة» الشركاء العلمانيين فى الحراك الثورى.
أما متطرفوهم، وهم قلّة، على الرغم من الوهم المعزّز بالأجانب فى صفوفهم غير العابئين بالبلاد وبالعباد، مغسولى الدماغ والأفئدة، ملقنى الظلامية والكراهية، فقد ارتاحوا إلى «نجاعة» موقفهم الشاتم لكل المستوردات المفاهيمية الفاسقة.
وبالتالى، تأكيد عقم المسار الديمقراطى وبؤس مآلاته، لأن «الشيطان الأكبر» (ليس المهم تحديده، فلعله كان ممولا مستترا)، لا يريد لهذه البلاد إلا الدمار والتجزئة ومحاربة ما يعتقدون زورا وبهتانا بأنه الدين الحق. وهم فى هذا، كما فى ممارساتهم، يلتقون أيّما لقاء مع مناصرى الاستبداد السلطوى، الذى يسعون لإخراجه من الباب الواسع ليعودا هم به عن طريق نافذة ظلاميتهم الضيّقة.
•••
يبقى، ويجب ألا ننسى، المكوّن الأساسى والأهم للحراك الثورى السورى، والذى تنتمى مكوناته إلى كل التوجهات من إسلامية معتدلة لا تؤمن بالدولة الدينية، حفاظا على الدين على أقلّ تقدير، إلى الليبرالية المستجدة أو التقليدية، إلى القومية المتخلصة من عبادة الدوغمائية، إلى اليسارية التى طورت عقيدتها بعيدا عن المسبق الصنع والمنعدم الفهم. كلهم يراقبون «بقلق» مآلات الحالة المصرية.
شعورهم التضامنى الواسع مع حقوق شعب أم الدنيا فى انقاذ ثورته من براثن الأحادية والتشفى والعزل والإقصاء، يقابله تمسكهم الذى يلامس التشبث بمفاهيم الديمقراطية غير الانتقائية ووجوب الاقتناع بها وتطبيقها واحترامها والحفاظ عليها.