«الولايات المتحدة الإفريقية» فى رسالة مثقف سودانى
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 27 يوليه 2020 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
تلقيت هذه الرسالة من الروائى والمحلل السياسى السودانى حامد بدوى، الذى تزاملت فى العمل معه لأربع سنوات فى جريدة «الشبيبة» بسلطنة عمان، والتى حملت سطورها فكرتين أساسيتين وهما العتاب الشديد للمصريين الذين لا يعرفون شيئا يذكر عن تاريخ السودان ــ وهو ما أرى فيه مبالغة كبيرة ــ ثم التبشير بفكرة الولايات المتحدة الإفريقية التى اكتسبت زخما كبيرا مع اندلاع ثورة ديسمبر 2019 التى أسقطت حكم الرئيس عمر البشير.
أهمية الرسالة تنبع من توضيحها لطريقة التفكير التى تسود قطاعات واسعة من الشعب السودانى، وما يجول فى عقله السياسى المشغول حاليا بفكرة «السودانوية» التى ربما يعتبرها البعض فكرة ثورية رومانسية، والتى تمتد من الصومال شرقا حتى السنغال غربا، لكن «السودانوية» فى النهاية تؤكد حقيقة مؤكدة وهى رغبة هذه القطاعات السودانية فى الانسلاخ عن الافكار العروبية التى حاولت عبثا احتكار تحديد هوية السودان، وإهمال البعد الإفريقى الأصيل فى هويته، وهو الأمر الذى ينبغى ان نضعه فى اعتبارنا فى مصر إذا أردنا بناء علاقات استراتيجية قوية مع السودان.
وفيما يلى نص الرسالة..
صديقى العزيز محمد عصمت.. تحياتى
عندما قرأت عنوان مقالتك «السودان الذى لا نعرفه!» احتشدت فى ذهنى ذكريات وأحداث كشفت لى أنه ليس فى مصر كلها من يعرف شيئا عن السودان، سواء من بين عامة الشعب أو من المثقفين، وقد ترسخت هذه القناعة فى ذهنى من خلال مناسبتين: الأولى عندما قمنا ونحن طلبة جامعة القاهرة فرع الخرطوم، بزيارة جامعة القاهرة الأم بمصر اقتربت منا إحدى الطالبات المصريات وسألتنا بعفوية: إنتو من السودان؟ أجبنا أن نعم. فأضافت: عندى أقارب فى أسوان، تعرفوهم؟
المناسبة الثانية هى ما قاله كبير الصحفيين العرب محمد حسنين هيكل لقناة الجزيرة، إنه فى بداية سطوع نجم جمال عبدالناصر، وكانت قضية الساعة هى استقلال السودان، أنه استأذن عبدالناصر فى زيارة السودان لإجراء حوارات مع كل من الحاكم العام والزعماء السياسيين فى السودان، مضيفا «بمجرد إقلاع الطائرة من مطار القاهرة أدركت أننى لا أعرف أى شىء عن السودان سوى ما جاء فى قصيدة لشوقى.. ويبقى لمصر نيلها وسودانها».. فإذا كان هذا قول الصحفى الموسوعى هيكل، فما بالك بالآخرين؟
ثم تأكد لى عدم معرفة المصريين بكل شىء يتعلق بالسودان، عندما قمت باختبار بسيط طبقته على عدد من أصدقائى المصريين ــ ولا أدرى كيف أفلت حضرتك من الاختبار عندما كنا نعمل سويا فى جريدة «الشبيبة» بسلطنة عمان؟ ــ وكنت أسألهم سؤالا بسيطا عن أى جزئية من تاريخ السودان الحديث دون أن أتلقى إجابة تنم عن ذرة معرفة.
كل هذه الأفكار ازدحمت فى ذهنى بمجرد قراءتى لعنوان مقالك، لكن حين أكملت القراءة وجدت فيه معرفة معقولة بالشأن السياسى السودانى، لكن الذى افتقدته فى مقالك حقيقة أن ثورة ديسمبر 2019 العظيمة ستحدث تغييرا حقيقيا كأى ثورة حقيقية.
سودان ما بعد الثورة هو سودان سودانوى. كيان جديد متفرد لا هو عربى بالمعنى السياسى ــ العرقى ولا هو إفريقى بالمعنى السياسى ــ العرقى.
نحن شعب هجين ثقافيا وعرقيا. نحن عنصر ثالث متفرد لأن جمع 1 زائد 1 لا يمكن أن يكون 1 زايد 1. وحتما سيكون الحاصل أكثر غنى من الواحد والواحد. لا بد أن يكوم عنصرا ثالثا مختلفا. هذا العنصر الثالث يرتكز على مفهوم جديد هو السودانيوية الذى يحتم أن يتمدد السودان باتجاه الشرق والغرب على امتداد السودان الجغرافى العظيم من الصومال على شاطئ البحر الأحمر إلى موريتانيا والسنغال على شاطئ المحيط الأطلسى. وتلكم هى الولايات المتحدة الإفريقية، المارد القادم الذى سيغير موازين القوة فى العالم.
ولك معزتى التى تعرف..
حامد بدوى