تونس على الحافة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 27 يوليه 2021 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
فى يوليو 2013 اغتيل السياسيين «محمد البراهمى»، وسبقه «شكرى بليعاد» بعدة شهور، وشكل ذلك أول أزمة محورية فى تونس بعد ثورة الياسمين فى 2011، وعبر منعطفات كثيرة، وتعرجات سياسية كان فيها رهان البعض على قدرة الثورة التونسية على صنع تجربتها الديمقراطية، ورأى البعض الآخر بأنه لا يمكن أن تؤتى تجربة ديمقراطية بثمار طالما أن الإسلام السياسى طرف رئيسى فيها. والآن فى ختام شهر يوليو 2021، مع مرور الذكرى الثامنة لاغتيال «محمد البراهمى» تزداد الأحداث سخونة عبر سلسلة من القرارات التى اتخذها الرئيس قيس سعيد، وتتمثل فى إقالة رئيس الحكومة هشام المشمشى، وتغيير الوزراء الأساسيين بها، وتجميد البرلمان الذى تحتل حركة النهضة الصدارة فيه، ورئيسها راشد الغنوشى هو رئيسه، وسط تراجع شعبية حركة النهضة نتيجة تردى الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، وتفشى وباء الكورونا.
أكثر ما يلفت الانتباه أن قطاعا عريضا من المصريين يقرأ أحداث تونس بعيونه الخاصة، ويعتبرون 30 يونيو 2013 فى مصر، تتحقق فى 25 يوليو 2021 فى تونس، ويبدو أن هذا الرأى يجد تأييدا لدى الشعب التونسى ذاته الذى يتحدث عن التخلص من الإخوان المسلمين بالقرارات التى أصدرها الرئيس قيس سعيد، مثلما تخلصت مصر منهم بإعلان خارطة الطريق فى 3 يوليو 2013، وهكذا قُدر لبلدان ما سمى بالربيع العربى أن تكون ثوراتهم فى الشتاء والصيف، لا تمر على الربيع والخريف، وفى ذلك إشارة مناخية لطبيعة التفاعلات السياسية التى لا تعرف الاعتدال، إما أن تكون قارصة البرودة أو شديدة الحرارة. فقد كان التخلص من الأنظمة التى قضت وقتا طويلا فى السلطة فى الشتاء القارص ما بين شارع الحبيب بورقيبة فى تونس وميدان التحرير فى القاهرة، ولكن بعد أن اكتشفت قطاعات عريضة من الجماهير أن أداء الحكومات التى أعقبت الثورة لا يحقق مطالبهم، بل أدى إلى تراجع الأوضاع العامة خطوات عما كانت عليه قبل ذلك ثارت فى عنفوان حرارة التغيير. ومما أشعل الوضع ارتباط التردى الاقتصادى بالخوف من فقدان الهوية الوطنية.
وبالرغم من أوجه التشابه، لا أظن أن الحالة التونسية سوف تمضى على خطوات التحول الشامل الذى حدث فى مصر فى عام 2013 لأسباب عديدة، منها أن التجربة التونسية شهدت العديد من التفاعلات على مدار عقد من الزمن مثل الانتخابات باختلاف أنواعها، الخلافات وجهود الوساطة، الحراك الشعبى الذى يقوده المجتمع المدنى، وبالأخص الاتحاد التونسى للشغل، الذى دعا فى بيان له إلى ضمانات دستورية ترافق القرارات الرئاسية، والربط بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والآليات الديمقراطية والتشاركية، وبينما رفض البيان اللجوء للعنف أو التلويح به، وهى رسالة تحذيرية إلى حركة النهضة، أكد على ضرورة تحديد المدى الزمنى لتطبيق الإجراءات الاستثنائية حتى لا تتحول إلى إجراء دائم، وهى رسالة إلى الرئيس قيس سعيد، الذى سبق وأكد أن القرارات التى اتخذها لاستعادة السلام الاجتماعى، وذات طبيعة مؤقتة.
بالطبع لا يمكن أن نغفل موقف القوى الدولية التى تريد بقاء تونس رغم تعثرها سياسيا واقتصاديا شاهد عيان على الربيع العربى، ولكن هناك درسا يمكن استخلاصه من التجربة المصرية أن العامل الخارجى ليس هو الحاسم فى التغيير، بل إرادة الشعب ذاته. فالكرة فى ملعب الشعب التونسى، وتبقى أسئلة الأيام القادمة: هل سوف تنحنى حركة النهضة لأمواج الرفض الشعبى العاتية أملا فى البقاء؟ وما موقف مؤسسات الدولة، وتصوراتها لمستقبل البلاد؟ وهل الجماهير ستقنع بالإجراء المؤقت أم تريده أن يتحول إلى دائم؟