الدستور والحاجة إلى سلطة رابعة للانتخابات
عبد الفتاح ماضي
آخر تحديث:
الإثنين 27 أغسطس 2012 - 7:45 ص
بتوقيت القاهرة
تجربة مصر فى إدارة الانتخابات البرلمانية والرئاسية والارتباكات الواضحة فى أداء اللجنتين المشرفتين على الانتخابات بعد ثورة 25 يناير تحتم علينا التفكير جديا فى إنشاء (سلطة الانتخابات) تعمل كسلطة رابعة مستقلة بجانب السلطات الثلاث الأخرى، كما فى عدد من دول أمريكا اللاتينية. وفى تجارب كندا والهند وأستراليا والبرتغال والبرازيل وكولومبيا وفنزويلا وغيرها الكثير من الفائدة. وقد كتبت وعرضت هذه الفكرة بالتفصيل فى أكثر من مؤتمر وندوة علمية، وأجد من المناسب تلخيص الفكرة ووضعها أمام الجمعية التأسيسية.
الهدف من تحويل الهيئة المشرفة على الانتخابات إلى سلطة مستقلة ــ تتمتع بأكبر قدر من الاستقلال والحياد فى تشكيلها والشفافية والنزاهة فى أعمالها ــ هو الإسهام فى إعادة الثقة فى الانتخابات كآلية من آليات النظم الديمقراطية، والحد من المظاهر السلبية التى ارتبطت فى أذهان الكثيرين بالانتخابات كالتزوير والمال السياسى وغيرها، وتحرير أكثر من جهة من مسئولية الانتخابات كوزارة الداخلية والقضاة والجهاز الإدارى.
والسلطة الانتخابية المقترحة يجب أن تكون مستقلة هيكليا ووظيفيا وماليا عن السلطة التنفيذية، ويمكن تشكيل المجلس التنفيذى لها من عدد من الأعضاء (تسعة مثلا، خمسة من القضاة الحاليين والمتقاعدين، واثنان من المجتمع المدنى، واثنان من الأكاديميين المتخصصين فى السياسة والقانون)، على أن يتفرغ هؤلاء للعمل فى السلطة لمدة محددة (سبع سنوات مثلا أو حتى سن التقاعد). ويمكن اختيار هؤلاء الأعضاء بترشيحهم من قبل الهيئات المختلفة ثم تصويت البرلمان المنتخب، أو بأسلوب المسابقة. ويتناوب هؤلاء الأعضاء التسعة على رئاسة المجلس بشكل دورى كل عام. وتؤخذ القرارات بأغلبية أعضاء المجلس، ويتمتع هؤلاء بذات الحصانة التى يتمتع بها القضاة ويعاملون ماليا معاملة أعلى فئة فى السلك القضائى.
ويقوم المجلس التنفيذى، واللجان النوعية للسلطة، بتعيين خبراء وموظفين عموميين من خريجى التخصصات ذات الصلة كالسياسة والقانون والإعلام والإدارة والإحصاء وتكنولوجيا المعلومات وغيرها، وذلك للعمل بشكل دائم للبعض، وبشكل جزئى للبعض الآخر، بالنظر إلى أن هناك تقديرات ترى أن كل مليون ناخب يحتاج إلى نحو عشرة آلاف موظف.
الأمر المهم هنا هو فصل هذه السلطة نهائيا عن أجهزة السلطة التنفيذية وعن أجهزة الأمن، بل خضوع الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية الانتخابات لسلطة الانتخابات بشكل نهائى، أو إنشاء قوات شرطة تابعة لسلطة الانتخابات بشكل دائم.
•••
وتقوم السلطة بعدة وظائف، أولها الإشراف على كل الانتخابات التى تجرى بدءا من انتخابات عمد القرى، مرورا بانتخابات النقابات والأحزاب والأندية والاتحادات الطلابية والكليات والجامعات، وانتهاءً بالانتخابات البرلمانية والرئاسية. وعلى أن تتولى السلطة إنجاز كل مهام كل عملية انتخابية فى جميع مراحلها قبل وأثناء وبعد يوم الانتخاب، بما فى ذلك تسجيل الناخبين وإعداد قوائمهم، تلقى طلبات الترشح، الإعداد ليوم الانتخابات، إجراء الانتخابات والإشراف عليها، وإعلان نتائجها.
أما بخصوص إمكانية الطعن على قراراتها، فيمكن تبنى أحد مقترحين: الأول أن تضم السلطة محكمة انتخابية من قضاتها تتولى مهام تلقى الطعون والشكاوى والنظر فيها والفصل فيها بأغلبية ثلاثة أعضاء، ودون الخضوع لأى هيئة قضائية أعلى. أما الثانى فهو وضع نظام بديل لهذه المحكمة الانتخابية بإخضاع قرارات السلطة الانتخابية إلى القضاء الإدارى أو المحكمة الدستورية العليا. وهناك تفاصيل كثيرة تقدمها لنا خبرة دول أمريكا اللاتينية.
كما تُشرف السلطة على المهام الإعلامية للانتخابات كعقد مؤتمرات صحفية دورية، وتوزيع البيانات الصحفية، ووضع ضوابط للتغطية الإعلامية والحصول على المعلومات قبل وأثناء وبعد الانتخابات. وتضع قاعدة بيانات لنشر الإحصاءات والبيانات والوثائق المتصلة بالانتخابات المختلفة وإتاحتها مجانا لكل الباحثين ومراكز البحوث والإعلام ولكل المهتمين فى شكل إلكترونى على موقع السلطة الإلكترونى، كما فى الديمقراطيات العريقة.
وتقوم السلطة فى الفترات التى تتخلل الانتخابات المختلفة بأعمال ذات صلة مثل تسجيل الناخبين الجدد وتجديد قوائم الناخبين، وإعداد الوثائق والمستندات الإرشادية، وتقديم الاستشارات للمواطنين والمرشحين، وإجراء استطلاعات الرأى بشكل دورى، وإصدار الإجراءات والضوابط والآداب المتصلة بالانتخابات. بل يمكن إسناد مهام أخرى للسلطة كتوعية المواطنين وعقد دورات التثقيف السياسى وبناء القدرات السياسية.
ويمكن للسلطة أيضا المساهمة فى إعداد وتطوير القوانين المتصلة بالانتخابات، وذلك بمواكبة التجارب الحديثة والاستفادة منها. كما يمكن إسناد مهمة الترخيص القانونى للأحزاب والنقابات لها، وكذا الإشراف على تمويل الأحزاب وتمويل الحملات الانتخابية ومراقبتها، وذلك حسب قانون لتمويل الانتخابات يعتمد على المال العام فقط لتحييد المال الانتخابى إلى حد كبير وضمان نزاهة الصوت الانتخابى. ولإعداد هذا القانون الأخير لابد من الاطلاع على تجارب الدول الأخرى والاستفادة منها، والاعتماد على التصويت الإلكترونى بشكل تدريجى، ففى البرزيل بدأ التصويت الإلكترونى عام 1996 بشكل جزئى ثم كان الاعتماد عليه كليًا منذ 2000.
•••
ويُصرف على السلطة من بند محدد يخصص لها فى الميزانية العامة للدولة، وتخضع ميزانيتها السنوية لرقابة البرلمان المنتخب الذى عليه أيضا مراقبة سلطة الانتخابات بصفة دورية ومحاسبة أعضائها عن أعمالهم، وعلى السلطة الانتخابية تقديم تقارير مالية وإدارية دورية عن أعمالها عن كل انتخابات تشرف عليها.
ويتم حظر تلقى أعضائها الهدايا والمنح التى لها علاقة بوظيفتهم، وحظر القيام بأعمال تجارية أو مالية مع مؤسسات الدولة. بجانب اشتراط الحياد السياسى لكل أعضاء السلطة، وحظر انتماء أى عضو أو موظف فيها إلى الأحزاب أو التيارات السياسية، وحظر اشتراكهم فى التصويت أو الترشح للمناصب التى يتم الاختيار فيها بالانتخاب، وذلك طوال فترة توظيفهم فى السلطة الإنتخابية.
وأخيرا أقترح أن يتم إنشاء السلطة المستقلة للانتخابات كجزء من الدستور الجديد وكضمانة واحدة ــ ضمن ضمانات أخرى ــ لتقوية الناخبين وتعزيز ثقتهم بالسياسة وحماية المؤسسات الديمقراطية.