الدكتور نبيل العربى.. الدبلوماسى العتيد وبطل استعادة طابا
خالد أبو بكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
بكل الحزن والأسى استقبلت نبأ رحيل الدكتور نبيل العربى، أحد فرسان الدبلوماسية المصرية والعربية، الذى قضى حياته مدافعًا عن مصالح بلاده العليا، بالمناصب المهمة التى تبوأها سواء مندوبًا دائمًا لمصر فى الأمم المتحدة فى نيويورك، ووزيرًا للخارجية لفترة قصيرة وأمينًا عامًا للجامعة العربية، أو باللحظات التاريخية التى كان له فيها دور بارز بخبرته العريضة - التى يشار له فيها بالبنان - فى مجال القانون الدولى، كما الحال فى عمله مستشارًا قانونيًا للوفد المصرى أثناء مؤتمر كامب ديفيد للسلام فى الشرق الأوسط سنة 1978، حيث لعب دورًا كبيرًا فى المفاوضات بين مصر وإسرائيل، والذى سجله بدقة وأمانة فى كتابه المرجعى «طابا كامب ديفيد الجدار العازل.. صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية»، الصادر عن دار الشروق.
سيظل اسم الدكتور نبيل العربى مقترنًا بمعركة استعادة مصر للتراب الوطنى فى طابا فى ساحات القضاء الدولى، وقد سجل وقائع هذه المعركة بتفاصيلها فى كتابه الذى أشرت إليه توًا، والذى حفظ فيه حق من شاركوا فى هذه الملحمة الوطنية من مختلف التخصصات بالإسهاب فى الحديث عن أدوارهم، ومن ضمن ما كتبه فى هذا الكتاب القيم بخصوص طابا قوله:
«أمضيت ما يقرب من خمس سنوات من عمرى مسئولًا عن هذا الملف (طابا) وذلك من نهاية 1983 إلى أن صدر الحكم يوم 29 سبتمبر، 1988 لتنطلق بعد ذلك جولة جديدة من التفاوض مع إسرائيل إلى أن تحقق الانسحاب النهائى من الأراضى المصرية فى مارس 1989.
فى هذه الفترة كنت فى البداية مديرًا للإدارة القانونية والمعاهدات فى وزارة الخارجية، ورئيسًا لوفد التفاوض مع إسرائيل فى محادثات إبرام مشارطة التحكيم التى وقعتها فى فندق ميناهاوس فى 12 سبتمبر 1986، ثم نُقلت فى صيف 1987 سفيرًا ومندوبًا دائمًا لمصر لدى المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى چنيڤ لمتابعة تطورات التحكيم عن كثب، حيث تم تعيينى وكيلًا للحكومة المصرية خلال مرحلة إجراءات التحكيم ثم كلفنى الرئيس حسنى مبارك بمتابعة تنفيذ الحكم إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين مصر وإسرائيل، وقمت بتوقيعه فى فندق طابا بتاريخ 26 فبراير 1989 أدى إلى انسحاب إسرائيل يوم 15 مارس.
***
من المحطات البارزة فى مسيرة الدكتور العربى عمله قاضٍ فى محكمة العدل الدولية بين عامى 2001 و2006، إذ كان واحدًا من بين فريق القضاة الذين أصدروا حكمًا فى يونيو من سنة 2004، بإدانة الجدار العازل الذى بنته إسرائيل فى الضفة الغربية المحتلة واعتباره غير قانونى.
كما تولى الدكتور العربى منصب وزير الخارجية المصرية بين 7 مارس 2011 و15 مايو من نفس العام، حيث جرى اختياره فى هذا التاريخ أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية خلفًا للسيد عمرو موسى، واستمر العربى فى منصبه خمس سنوات متتالية حتى 30 يونيو 2016، وسط عواصف وأنواء اجتاحت العالم العربى بفعل الانتفاضات التى اندلعت فى تونس ومصر وليبيا واليمن.
***
بدأت علاقتى المباشرة بالدكتور نبيل العربى عندما أرسلنى إليه السيد عمرو موسى لتسجيل شهادته على مواقف اتخذها السيد موسى فى حياته الدبلوماسية، وكان الدكتور العربى طرفًا فيها، والتى ضمنّاها فى سيرة موسى الذاتية التى حملت عنوانا عريضا هو «كتابيه» فى جزأين، والتى شرفت بتحريرها وتوثيقها. ثم امتدت اللقاءات مع الدكتور العربى بعد ذلك سواء ثنائية فى مكتبه بالزمالك لتسجيل شهادته على حوادث تاريخية عاشتها مصر فى إطار عملى الصحفى أو فى مناسبات عامة.
بعد انتهاء فترة عمله أمينًا عامًا للجامعة العربية سألته: لا بد وأن سيادتك سوف تتفرغ لكتابة مذكراتك عن فترة الجامعة العربية. فقال لى: «لقد فكرت كثيرًا فى هذا الأمر، والحقيقة أننى لا أعتزم القيام بذلك؛ لأن الكتابة ستنضوى على إحراج بالغ للدول العربية، وأنا لا أريد ذلك».
قلت: «يمكن لسيادتك أن تكتب وتوصى بالنشر بعد رحيلك كما يفعل بعض الساسة فى الغرب».
قال: «يا ابنى المبدأ واحد، لا أريد أن أحرج أى طرف سواء فى حياتى أو بعد رحيلى، وهذا لا يعنى على الإطلاق أننى ضد من كتبوا ومن سيكتبون مذكراتهم من أمناء الجامعة العربية، هذا أمر لا يوجد فيه صواب وخطأ، كلا الطرفين على صواب.. من يكتب ومن لا يكتب.. المعيار هو ما يرتاح إليه ضمير الشخص.. وأنا ضميرى استقر على ألا أكتب».
سافرت إلى النمسا منذ سنة 2021، ولا أدرى إذا كان الدكتور نبيل قد غيّر رأيه فى هذا الخصوص أم لا.
رحم الله الدكتور نبيل العربى وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان.