فى اليوم الأول من العام الدراسى نشر الموقع الالكترونى لإحدى الصحف جملة من الصور التى تعبر عن عودة الطلاب والطالبات، من بينها صور التقطت من مدرسة كلية رمسيس الشهيرة، التى لها باع طويل فى التعليم، وطبقت شهرتها الآفاق، واحتل خريجوها مواقع مهنية مهمة فى المجتمع. أصيبت الطالبات اللاتى ينتمين فى مجملهم إلى الطبقة الوسطى من تعليقات رواد الموقع الالكترونى التى جمعت بين الايحاءات الجنسية الفجة، والحقد الاجتماعى، وأحيانا التلميحات الطائفية البغيضة. لفتت الانتباه إلى ذلك فى صفحتها على «فيس بوك» الدكتورة فيفيان فؤاد الخبيرة فى قضايا المرأة والطفل، التى ذكرت أنها تلقت العديد من الاتصالات من الطالبات يعبرن فيها عن غضبهن، وحزنهن، وهلعهن من التعليقات الرديئة التى ارتطمت بهن.
شىء مؤسف أن يصل التردى العام إلى هذا المستوى، لكنه مادة دراسية مهمة للحالة النفسية لمجتمع لم يعد فقط ذكوريا فى نظرته للمرأة، ولكن أيضا حاقدا، مترديا فى أخلاقه. فى التعليقات عبارات تكشف نفسية المجتمع. هناك من ذكر أن هذه مدرسة خاصة فى إشارة إلى مستواها المبهج مقارنة بالمدرسة العامة التى ترتسم على وجهها الكآبة، والبعض قارن بين المدرسات اللاتى يبدين عليهن مظاهر الذوق والشياكة، وبين المدرسات اللاتى فى المدارس العامة، وهى مقارنة ظالمة، فنحن خريجو المدارس الحكومية كانت لدينا مدرسات على درجة من الرقى وحسن التعبير، والبعض أشار إلى أن الطالبات والمدرسات مسيحيات، وهى أيضا ملاحظة خاطئة لأن المدرسة وإن كانت تتبع سنودس النيل الإنجيلى إلا أن الطالبات من المسلمين والمسيحيين، وأعرف أن الطبقة الوسطى العليا تسعى دائما إلى إلحاق أبنائها بهذه المدرسة، ومنهم شخصيات ينتمون إلى خلفية إسلامية.
المسألة باختصار أن التحرش الجنسى الالكترونى الذى صدم الطالبات ليس إلا أداة مجتمع عاجز، ينفث عن حقد طبقى، وغضب اجتماعى، وشعور بالعار تجاه مستوى تعليمى متقدم مقارنة بالتعليم الحكومى الذى نشر الموقع الالكترونى ذاته صورا من مدارسه يبدو عليها البؤس، فضلا عن الأخبار التى تناقلها عن تزويغ الطلاب، ومعارك الأهالى لحجز الصفوف الأولى فى الفصول لأبنائهم، وانخفاض مستوى حضور الطلاب خاصة فى الثانوية العامة.
المؤسسة التعليمية أصبحت تفرق بين المواطنين من حيث الحظوظ الاجتماعية، شأنها شأن كل شىء فى مجتمعنا من النادى إلى المستشفى، وإذا كنت أتحدث عن مدرسة عرفت أنها من المؤسسات التعليمية لأبناء الطبقة الوسطى المتعلمة، مهندسين وأطباء وقضاة وصحفيين، فإننى لا أتحدث عن مؤسسات تعليمية أصبحت تناسب أبناء الطبقات العليا، وصارت تقدم لهم خدمة تعليمية، وحياة اجتماعية مغايرة.
من نلوم؟ هل نلوم ضحايا تعليم فقير فى المضمون والأخلاق والثقافة العامة؟ أم نلوم مجتمعا لم يستطع أن يوفر خدمات عامة تناسب الغالبية العظمى من أبنائه، وتجعل العام فى مستوى الخاص، ولا يفرق بين الطلاب حسب موقعهم الاجتماعى.
الطبقة الوسطى المتآكلة قد يأتى عليها يوم قد لا تستطيع أن تعيش فى مجتمع لا يجسد قيمها، ولا يناسب تطلعاتها.