فى العراق.. كلهم مُدانون

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الأربعاء 27 أكتوبر 2010 - 12:23 م بتوقيت القاهرة

 كأن فظائع التعذيب والقهر الإنسانى سوف تظل جزءا لا يمحى من التراث العربى، يوقعه البعض ببعضهم أو يوقعه الآخرون بهم. وبعد أن تفجرت فضيحة الوثائق التى أذاعتها منظمة «ويكيليكس» الأمريكية عن أسرار خمس سنوات من فنون التعذيب وحفلات القتل والتدمير وانتهاك حقوق الإنسان التى ارتكبت فى حق الشعب العراقى.. تثور تساؤلات حول مدى ما يتحمله العراقيون أنفسهم من نصيب فى ارتكاب هذه الجرائم؟ ومدى ما يتحمله الأمريكيون من مسئولية فى السماح بارتكاب هذه الفظائع؟ وما هو دور الميليشيات الإيرانية فى تسليح فرق القتل الشيعية التى كانت تأتمر فيما يبدو بأوامر المالكى رئيس الوزراء العراقى لتنفيذ مهام استئصالية ضد خصومه من المعارضة السنية؟

تتكشف هذه الحقائق الآن وهى مسجلة بكاملها فى الوثائق السرية لحرب العراق. وقد ملأت ملخصاتها صفحات كاملة من صحف أمريكية وأوروبية. وجرى تسريبها بطريقة ملتوية. أغلب الظن لأسباب استخباراتية. حيث دعيت أربع صحف عالمية وقناة تليفزيونية واحدة عرفوا جميعا بأنهم لا يمتنعون عن نشر أى أسرار صحفية، للاطلاع على مضمون الوثائق فى شهر يونيو الماضى، وبشرط ألا تبدأ إذاعتها قبل التوقيت الحالى. وهذه الصحف هى نيويورك تايمز والجارديان ولوموند الفرنسية ودير شبيجل الألمانية إضافة إلى قناة «الجزيرة» العربية.

وكانت حجة التأخير فى النشر هى أن هذه الوثائق يجرى مراجعتها لحذف ما يمكن أن يكون أسرارا عسكرية.

لأنها فى الواقع لا تعدو أن تكون مادة خامًا من تقارير روتينية ميدانية. تحتاج إلى إعادة صياغتها وتدقيق تواريخها حتى يمكن فهم السياق الذى حدثت فيه.

تبرهن هذه الخلفية على أمرين:
الأول أن ما ينشر من تفاصيل عن عمليات التعذيب والقتل على الحواجز الأمريكية والأساليب الفظيعة التى استخدمتها قوات الأمن العراقية بمساعدة وتواطؤ من القوات الأمريكية، ليست غير جزء بسيط من الصورة.

وقد ذكرت الوثائق أن عدد القتلى من العراقيين تجاوز 109 آلاف عراقى فضلا عن مئات الألوف من الجرحى والمصابين وكلهم من المدنيين. بينما ذكرت مصادر أخرى بينها مجلة «لانسيت» البريطانية أن عددهم تجاوز 600 ألف خلال المدة من 2004 إلى 2008. وهو ما يعنى أن عدد الضحايا الذين قتلوا أو عذبوا على يد الاحتلال تجاوز عدد الضحايا فى سجون صدام حسين. وأن ما ارتكبه الجنود الأمريكيون فى سجن أبوغريب وغيره من المعتقلات الأمريكية من مساخر التعذيب أعطى نموذجا ومثالا لأسلوب معاملة الشعب العراقى.

الأمر الثانى: أن تسريب هذه الوثائق لم يكن ليتم بدون موافقة ضمنية أو سرية من البنتاجون وأجهزة المخابرات. وقد حاولت هيلارى كيلنتون وزير الخارجية أن تهون من خطورتها. فلم تنف ما ورد فيها من وقائع ولكنها اكتفت بالتحذير من أن بعض هذه الوثائق قد يضر بأمن القوات الأمريكية وحلفائها فى العراق. بينما تجاهلت المسئولية القانونية والأخلاقية للحكومة الأمريكية باعتبارها قوة الاحتلال.

بقى استنتاج أخير وهو أن اختيار هذا التوقيت لإثارة الشبهات حول نور المالكى وتورطه فى عمليات التعذيب فى الوقت الذى أوشك أن ينجح فيه فى تشكيل الحكومة الجديدة بعد سبعة أشهر من المحاولات اليائسة.. إنما يدل على أن واشنطن سحبت تأييدها للمالكى بعد أن وثق تحالفاته مع إيران وزار طهران فى آخر محطة له.

أيا كانت بشاعة الصورة التى أزاحت «ويكيليكس» الستار عنها، فهى لابد أن تضع زعماء عراق ما بعد صدام ــ كلهم وبدون استثناء.. سواء من تعاون معهم من قوات الاحتلال جلبا للمنافع، أو سايرهم بدرجة ما دفعا للضرر ــ فى قفص الاتهام أمام محكمة التاريخ. كما أنه يلزم واشنطن قانونيا وأخلاقيا بضرورة إجراء تحقيق عاجل فيما أوردته الوثائق. فلم يكن العراقيون وحدهم مسئولين عن ارتكاب جرائم التعذيب بل شارك الأمريكيون فى حفلاتها.

مأساة العراق لم تنته بعد. وما لم يختف هذا الجيل من السياسيين وزعماء الطوائف والانتهازيين، ويحل محله جيل جديد من العراقيين الذين عركتهم محنة الحرب وويلاتها، فسوف يظل نزيف الدماء.. بقيت قوات الاحتلال أو انسحبت!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved