المأساة السورية والانتخابات الأمريكية
سلام الكواكبي
آخر تحديث:
السبت 27 أكتوبر 2012 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
يعتقد البعض من الملاحظين السياسيين أن الانتخابات القريبة المقبلة فى الولايات المتحدة الأمريكية ستحمل فى حقائبها حلولا إعجازية للمسألة السورية و«ستخرج الزير من البير» وتجد حلا لمأساة شعب ووطن مستباحان.
يستند «حسن الظن» هذا بمأساة تحليلية ملازمة للثقافة السياسية العربية والتى ما فتئت تمنح الدور الأمريكى والثقل الأمريكى والنفوذ الأمريكى أحجاما تتجاوز الواقع. وتتقاطع هذه الرؤى مع ما ملء الأدبيات السلطوية العربية منذ عقود حول المؤامرة الإمبريالية المتضخمة فى عقول محللينا وكأنها سرطان لا شقاء منه. وقد ساعدت هذه «المؤامرة» جمعا من السلط المستبدة على ترسيخ قمعها للحريات فى البلاد التى استولت عليها بعيدا عن أى شرعية.
بالتأكيد، هذا ليس انتقاصا من الدور السياسى، الاقتصادى، الاستخباراتى أو العسكرى الذى يمكن أن يُنسب لأمريكا كقوة عظمى تصورت أنها قد ارتاحت من النجمة الحمراء السوفييتية وأزاحتها من ساحة صراع الأقطاب، لتجد نفسها أمام الدب الروسى المكتنز فسادا وطموحا. ولا يمكن أن يخفف من أهمية تاريخ غنى بالتجارب الانقلابية ودعم الدكتاتوريات العسكرية فى أمريكا اللاتينية مثلا أو فى الشرق الأوسط تحديدا. ولا يُعقل بأن يحجب عنا مدى التأثير الاقتصادى المهم فى ضخ الأموال والأسلحة إلى دولة إسرائيل التى تحتل أراضى عربية وتمارس العسف والموت تجاه أهلها. لسنا بمغفلين، ونعرف كل هذا. ولكن هذه الذخيرة من المعارف الموثقة لا يمكن أن تكفى لكى تحجب عنا الحقيقة.
فالدولة الأمريكية، أوبامية كانت أو رومنية، تعبر مرحلة اقتصادية صعبة وتواجه تحديات عدة حولت مسألة النفوذ من الفلسفة العسكرية إلى الفلسفة الاقتصادية. إضافة، فهى تحمل ملفات داخلية عديدة ومعقدة تبعدها عن شؤون الآخرين. و«الشارع» الأمريكى يعتبر بأن قضايا العالم تأتى فى مراتب متدنية من اهتماماته اليومية.
بالمقابل، وبمقدار اهتمام البعض من العرب بالحصول على تأشيرة سفر إلى «أرض الأحلام» هذه والانتقال إلى مرحلة البطاقة الخضراء والجنسية، بقدر ما ترتفع نسب البغضاء والتحدى ورمى الموبقات على سياسات هذا البلد.
إن تعليق الآمال على نتائج حاسمة تحملها الانتخابات القريبة لسوريا وشعبها هو جزء من الأوهام السياسية والأخلاقية والإنسانية. وهو مؤشر إلى جهل بالتركيبة السياسية والمؤسساتية فى هذا البلد الذى يعتبره الواهمون والحالمون وكأنه الساحر الذى يخرج لعلاء الدين لينفذ له ما يشاء وكما يشاء.
للمرة الألف ربما، أكرر بأن ليس للسوريين سوى أنفسهم، وبأن كل العوامل الخارجية والقوى «الامبريالية والرجعية والاستعمارية والفضائية»، مهما كانت قوية ومؤثرة، غير قادرة على تغيير إرادتهم إن هم اجتمعوا عليها. وبأن حل مأساتهم الإنسانية والسياسية سيكون نتاج وعى مجتمعى وتضافر بين القوى الساعية إلى التغيير والخلاص والسير بالبلاد نحو حياة كريمة وحرة.
لا معارضة فى سوريا، فالمعارضة تنشأ فى إطار سياسى يتحمل نشاط طرفين على الأقل. فى سوريا هناك شعب وهناك ظلم.