لماذا يغيب التوافق؟

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:12 م بتوقيت القاهرة

من أعجب ما يتردد الآن، لدرجة أنه صار واقعا طبيعيا، من الواضح أنه يتوجب علينا أن نتعايش معه، ما يسميه الإعلام «القضايا الخلافية فى الدستور»، وهى ذات العبارة التى كانت مسيطرة على عمليات ونقاشات إعداد دستور ٢٠١٢، ووجه العجب أن الدساتير بطبيعتها هى وثيقة اتفاق الشعوب لا اختلافها، وهذه المرة زادت مساحات القضايا الخلافية لدرجة أحبطت سلاسة إجراء التعديلات، وأدخلت لجنة الخمسين أتون معارك كانت فى غنى عنها، ويكفى أن نذكر أن الخلافات امتدت حتى شملت مواد السلطة القضائية، وتحصين منصب وزير الدفاع، ونظام الحكم، وأنظمة الانتخابات، ومجلس الشورى، وتمييز فئات العمال والفلاحين، ناهيك عما يسمونه مواد الهوية، والتى لم تعرفها الدساتير المصرية طيلة ١٣٠ عاما، من دستور الثورة العرابية عام ١٨٨٢، وحتى دستور ٢٠١٢، وحتى حينما جاء دستور ١٩٧١ ليضع الشريعة الإسلامية كمصدر من مصادر التشريع، اندهش البعض لأن مصر منذ العام ١٩٤٦ (مع نشأة مجلس الدولة)، كان البيان ــ وقتها ــ واضحا، لا توجد لدينا قوانين تتنافى أو تتقاطع مع مواد الشريعة.

هذه المواد الخلافية، تضع تعديلات الدستور الجديد فى مأزق، وتدفعه ليصاب بتشوهات، وليربك لجنة الخمسين، التى جاءت أصلا لتصويب هذه التشوهات ولإزالة الاعتراضات التى شابت دستور ٢٠١٢، و كل ذلك يعنى أنه ليس لدينا أية قدرة سياسية على استيعاب الخلافات بين القوى والاتجاهات السياسية، وكنا نحسب أن التوافق موجود كرد فعل طبيعى، للاختلاف الذى حطم نظام حكم المسئولين عن دستور ٢٠١٢، وكأننا لا نتعلم حتى من دروس الماضى القريب، وكأن لدينا رغبات جامحة فى العراك، أكثر بكثير مما لدينا آمال وطموحات فى التوافق، خصوصا أن الجميع بات يعلم، أن مجلس الشعب القادم، أيا كانت تشكيلته وتركيبته السياسية، سيعبث بالوضع الدستورى وسيسعى لتعديل بعض مواده، من باب إقرار سلطاته، وعلى اعتبار، أنه دستور لم تضعه لجان منتخبة، أو لجان مطعون على شرعيتها، وبالتالى كان من المفضل أن تعمل لجنة الخمسين على تحقيق دستور توافقى، يستطيع الانتقال بالبلاد من مرحلة إنتقالية إلى مرحلة استقرار بدعم قانونى مشفوعا بشرعية ثورية باتت تقترب جدا من فقد معانيها ومضامينها الحقيقية.

بصراحة، لا ألمح قوى سياسية أو اجتماعية ضاغطة على لجنة الخمسين، اللهم سوى موقف حزب النور من المادة ٢١٩، وخلاف مجلس الدولة والنيابة الإدارية على اختصاصاتهما، والتى لا أدرى من فجرها ولماذا، أما بقية القوى فهى غير موجودة فى المعترك السياسى، ولا يبدو أن لديها أية رؤية خاصة بشأن الدستور، ولا يعدو كل الحاصل سوى معارك سياسية صغيرة، وأشعر فى غالب الأوقات أن هناك فى لجنة الخمسين من يعبر عن نفسه فقط، وعن تصوراته هو، بعيد عما يطلبه المجتمع، لأن الذين كانوا يرفضون دستور ٢٠١٢، كانوا يرفضون مواد بعينها، وصياغات بكلماتها، وما أن يتم ذلك، فهذا يعنى أن رغباتهم قد تحققت، وان ثورتهم قد أتت أُكُلها، وهم جميعا يسعون إلى الإستقرار، وأعتقد أن هذا ما يجب أن تفعله لجنة الخمسين أثناء التصويت على المواد فى جلساتها العامة. وبالطبع كل ذلك لا يمنع من أن نشير إلى أن الكثير من أعضاء هذه اللجنة قدموا جهودا رائعة وأفكارا بديعة، فى عدد لا بأس به من القضايا، ولو تم إقرارها، ستكون قد أضافت للدستور قيما كانت تنقصه، وثوابت كانت غائبة عنه، كما من الأمانة أيضا أن نشير أن اللجنة تعاملت بجدية مع معظم القضايا ودرستها جيدا ووعت تماما لما يجب تعديله، أما ما يميز هذه اللجنة بالفعل، ويحسب لغالبية أعضائها، أنها لم تتعامل بغل مع دستور ٢٠١٢، وترفعت عن خلافات الماضى، وأتمنى أن تنهى قصة الخلافات ولتحقق قاعدة أن الدساتير لتوافق الشعوب لا لخلافاتها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved