ما مغزى التغيير فى البنك المركزى؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 27 أكتوبر 2015 - 8:30 ص
بتوقيت القاهرة
مازلنا مع الشأن الاقتصادى لأنه ــ وعن حق ــ أكثر ما يشغل الناس ويثير قلقهم، حتى فى ظل انتخابات برلمانية كان المعتاد والمتوقع أن تحتل الصدارة، فإذا بها تتراجع فى الأهمية أمام انشغال المواطنين بالوضع الاقتصادى واستمرار الأزمة الراهنة.
التطور الجديد على الساحة هو استقالة السيد/ هشام رامز من منصب محافظ البنك المركزى وتعيين السبد/ طارق عامر محله. ولكن هذا لا يكفى لضبط كفة الاقتصاد القومى وتهدئة الأسواق وإعادة ثقة المستثمرين لأن «شخصنة» الأزمة الاقتصادية غير مفيد. صحيح أن لكل من المحافظين ــ الحالى والقادم ــ شخصيته وأسلوبه فى التصرف ولغته فى التواصل مع الأسواق وأولوياته فى العمل، ولكن فى نهاية الأمر فإن المشكلات واحدة والظروف لم تتغير. لذلك يلزم توعية الرأى العام بأن مهمة البنك المركزى ليست مجرد توفير الدولارات لكل من يطلبها، ولا الدخول فى حرب ضد شركات الصرافة، ولا الحفاظ على سعر الجنيه المصرى تحت أى ظرف، بل التعاون مع الحكومة لدعمها فى تطبيق سياسة اقتصادية تشجع الاستثمار والإنتاج والتشغيل والتصدير من خلال ما لديه من أدوات السياسة النقدية. وإليكم ما أقصده.
ليست مهمة البنك المركزى «تدبير» العملة الأجنبية لأن توافرها يرتبط بقدرة البلد على تصدير السلع والخدمات التى يأتى على رأسها السياحة، وجذب الاستثمار الأجنبى، وتشجيع تدفق مدخرات المصريين من الخارج، بجانب ما يحصل عليه من منح وقروض دولية. وفى كل الأحوال فهو يرتبط أيضا بحجم استيراد السلع والخدمات وما يسدده البلد من قروض والتزامات للخارج. ولذلك فلو لم تتوافر السياسات والمقومات الاقتصادية السليمة فإن قدرة البنك المركزى بمفرده على توفير العملة الأجنبية تظل محدودة.
ولا مهمة البنك المركزى القضاء على مهنة الصرافة، فهذه مهنة قانونية وشريفة، ينظمها القانون ويُبين شروط الحصول على ترخيص النشاط وضوابط مزاولته وآليات الرقابة عليه. وفى مهنة الصرافة، كما فى كل مهنة أخرى، هناك من يزاولونها بشكل سليم ومن ينحرفون. ولكن تصوير الإعلام لكل من يتاجر فى العملة باعتباره لصا جشعا ومستغلا للبلد تصوير ساذج فضلا عن أنه لا يفيد بل يضر لأنه يدفع الرأى العام إلى الاعتقاد بأن القضاء على مهنة الصيرفة هدف قومى، بينما شركات الصرافة تقدم خدمة للاقتصاد والمجتمع وواجب البنك المركزى تنظيم نشاطها ومحاصرة المنحرفين فيها وليس الدخول معها فى حرب.
ولا البنك المركزى مطلوب منه الحفاظ على سعر الجنيه دون تغيير، فقد مضى الزمن الذى كان يُنظر فيه إلى العملة الوطنية باعتبارها ــ مثل العلم ــ رمزا للسيادة والكرامة، وبالتالى فإن على البنك المركزى أن يدافع عنها تحت أى ظرف. الطبيعى أن يتحرك سعر الصرف صعودا وهبوطا بما يعبر عن التغير فى ميزان تعامل الدولة مع باقى دول العالم، وأن يكون أداة لزيادة تنافسية الاقتصاد القومى وقت اللزوم. المشكلة تأتى ليس من انخفاض سعر العملة الوطنية فى حد ذاته، وإنما حينما يصيب السوق اضطراب شديد بسبب المعاناة فى توفير الاحتياجات الاستيرادية، والانخفاض فى الاحتياطى النقدى، وتقييد حرية التعامل على الأرصدة الأجنبية على نحو ما حدث أخيرا. يجب إذن قبول مبدأ تحرك سعر الجنيه صعودا وهبوطا بشكل طبيعى وبما لا يؤدى إلى اضطراب بالغ فى الأسواق أو ارتفاع مفاجئ فى الأسعار.
لذلك يلزم توعية الرأى العام ــ وحبذا لو معه الإعلام ــ بأن مهمة البنك المركزى هى الرقابة على النظام المصرفى ووضع القواعد التى تكفل سلامة أموال المودعين. والحفاظ على سلامة نظام المدفوعات. وتطبيق السياسات النقدية التى تحقق استقرار الأسعار، والمساهمة فى تحفيز النشاط الاقتصادى. وتقديم التمويل للدولة عند اللزوم، وإدارة أرصدتها بالعملة الوطنية والاحتياطى بالعملات الأجنبية. وأخيرا وليس آخرا فهو جهة الإقراض الأخيرة للبنوك والقطاع المصرفى وقت الضرورة.
ما نحتاج إليه هو الخروج من الحالة الذهنية والإعلامية التى تعطى أهمية بالغة لتغيير الأشخاص والقيادات إلى تغيير السياسات، وتجنب الوقوع مرة أخرى فى فخ رفع التوقعات إلى ما لا نهاية. والتوقف عن اعتبار سبب المشكلة هو تجار العملة، أو المستوردين، أو أشخاصا بعينهم، لأن كل هذا قد يشفى غليل الرأى العام، ولكنه لا يحقق تقدما ولا استقرارا.
ما يحتاج إليه البلد هو سياسة اقتصادية واضحة المعالم، معروفة للناس ومفهومة للمجتمع، تشجع القطاع الخاص على الاستثمار والإنتاج والتشغيل والتصدير، ولكن تدفع الدولة أيضا لمزاولة دورها الرقابى فى حماية الأسواق وتنظيمها، ودورها الاجتماعى فى حماية الفئات الأضعف وتصحيح الميزان الاجتماعى المختل. وهذا ليس كلاما مرسلا، بل ضرورة تحتمها أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية وتحديات التنمية التى تواجهها. والبنك المركزى ليس طرفا سلبيا فى كل هذا، بل لاعب أساسى، بيده تحفيز الاقتصاد، ودفع القطاع المصرفى لتقديم خدمات متنوعة، والتأثير فى حجم الائتمان، وفى سعر الصرف، وفى سلوك السوق بشكل عام، ولكن بشرط أن يكون ذلك من خلال خطة اقتصادية واضحة للدولة وأولويات متفق عليها فى المجتمع.
***
وأنتهز الفرصة لتقديم الشكر والتقدير لهشام رامز على ما قام به من جهد كبير وتحمله مسئولية جسيمة فى ظروف بالغة الصعوبة، وكل التمنيات لطارق عامر بالتوفيق فى مهمته القادمة.