نحو حماية الحق الفلسطيني والحق المصري والعربي أيضا
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 27 أكتوبر 2023 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
هذه لحظة خطر داهم على أمن وحقوق ومصالح ومقدرات الشعب الفلسطينى الذى يواجه آلة القتل والانتقام الإسرائيلية فى قطاع غزة وعنف المستوطنين المتطرفين وتواطؤ قوات الاحتلال فى الضفة الغربية والقدس الشرقية. هذه لحظة خطر داهم على الشعب الفلسطينى الذى يشكو عجز النظام العالمى ممثلا فى منظمة الأمم المتحدة وبسبب المواقف الغربية المخزية عن حمايته من جرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل فى غزة ويعانى من مأساة إنسانية شاملة بعد أن قطعت سلطات الاحتلال المياه والكهرباء والوقود عنها وأمعنت فى تعويق دخول المساعدات من معبر رفح.
هذه لحظة خطر داهم على الأمن القومى والمصالح الوطنية لمصر والأردن، وهما يواجهان دبلوماسيا وسياسيا حكومة حرب إسرائيلية تستعد للهجوم البرى على غزة وتقتل آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات وترتكب جرائم حرب مفزعة وتصدر أوامر للتهجير من شمال القطاع إلى جنوبه ولا تخشى مساءلة أو محاسبة دولية فى ظل انحياز الغرب الكامل لها. تواجه الدولتان أيضا، وهما الأكثر تأثرا بأوضاع الشعب الفلسطينى، تصعيدا ممنهجا لعنف المستوطنين فى الضفة الغربية الذين تحميهم حكومة بنيامين نتنياهو وتفجر من ثم الأوضاع هناك وتضغط سياسيا على السلطة الفلسطينية التى تظل الممثل الشرعى لشعبها على الرغم من تراجع معدلات تأييدها.
على الحدود المصرية مع غزة والحدود الأردنية مع الضفة، إذا، تواجه حكومتا الدولتين العربيتين حكومة إسرائيلية وقف رئيس وزرائها قبل أسابيع من ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة عارضا لخريطة لمنطقة الشرق الأوسط ضمت فيها الأراضى الفلسطينية المحتلة فى ٥ يونيو ١٩٦٧ إلى الدولة العبرية، حكومة إسرائيلية عملت طوال السنوات الماضية على تصفية حل الدولتين بسياسات استيطان وحصار عنيفة وعلى تصفية القضية الفلسطينية كلها بابتلاع الأراضى والتطبيع مع الدول العربية دون اعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير ودولته المستقلة، حكومة إسرائيلية يطرح بعض وزرائها تصورات خرقاء بشأن تهجير قسرى شامل للفلسطينيين والفلسطينيات من غزة إلى مصر ومن الضفة إلى الأردن فى استباحة مرفوضة ومدانة للسيادة الوطنية لدولتين تربطهما مع الدولة العبرية معاهدات سلام وفى تنكر كامل لحق الشعب الفلسطينى فى البقاء على ما تبقى من أرضه التاريخية وفى تقرير المصير فى دولة مستقلة فى الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة.
• • •
هذه لحظة خطر داهم على الأمن العربى ومصالح ومقدرات الأمة العربية التى ظلت فلسطين قضيتها المركزية منذ منتصف القرن العشرين، وحاربت من أجل نصرة شعبها، وعانت بها دول المواجهة مصر وسوريا ولبنان والأردن من تداعيات الحروب طويلا، وقبلت جماعيا مبدأ «الأرض مقابل السلام» بمكونيه دولة فلسطين المستقلة والسلام مع إسرائيل. الأمة العربية اليوم، من الخليج إلى المحيط، على المدى القصير فى معية خطر استمرار جرائم الحرب الإسرائيلية وتواصل فصول المأساة الإنسانية فى غزة ولن يرتب الغزو البرى سوى ذلك. وهى على المدى المتوسط تواجه خطر انهيار أجهزة وأدوات الحكم فى غزة والضفة وخطر التهجير القسرى للشعب الفلسطينى الذى يريد المتطرفون الإسرائيليون إلحاق نكبة جديدة به بدفعه إلى خارج غزة والضفة ولا يبالون بسيادة وأمن مصر والأردن، وتواجه على المدى الطويل خطر تصفية القضية الفلسطينية وتهديد التماسك المجتمعى والأمن القومى لمصر والأردن وغياب الاستقرار والسلام عن منطقتنا لعقود قادمة.
نواجه فى فلسطين وفى مصر والأردن وفى عموم بلدان العرب هذه الأخطار الداهمة، ولا بديل من أجل حماية مصالحنا ومقدراتنا عن توظيف جميع أدواتنا الدبلوماسية والسياسية المتاحة ومصادر قوتنا المتنوعة دون أوهام أو مبالغات وبإدراك موضوعى لمجمل الأوضاع الإقليمية والعالمية من حولنا. وأشير فى هذا الصدد إلى الأدوات التالية:
1) على الرغم من سيطرة الرواية الإسرائيلية على وسائل الإعلام التقليدية فى الغرب، إلا أن الرواية الفلسطينية التى تضع ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ فى سياق الاحتلال والاستيطان والفصل العنصرى ضد الشعب الفلسطينى الذى تمارسه إسرائيل منذ عقود وتقدم إدانة واضحة لاستهداف كل السكان المدنيين دون مساومة على الحق فى المقاومة المشروعة للمحتل، هذه الرواية وجدت طريقها إلى الرأى العام العالمى وضمير الإنسانية من خلال الإعلام البديل وشبكات التواصل الاجتماعى. والمطلوب فى الفترة الراهنة هو مواصلة العمل على توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية ومأساة أهل غزة والعنف الذى يمارسه المستوطنون فى الضفة، ومواصلة مواجهة الأخبار المغلوطة من شاكلة الادعاء أن مصر تغلق معبر رفح مع أن إسرائيل هى التى تمنع دخول المساعدات منه إلى غزة، ومن شاكلة الادعاء أن السلطة الفلسطينية هى المسئولة عن الأوضاع الأمنية فى الضفة مع أن سلطات الاحتلال هى المسئولة بالأساس. المطلوب أيضا هو مواصلة مخاطبة الغرب على الرغم من انحياز حكوماته ووسائل إعلامه إلى إسرائيل، وذلك بالتركيز على ضرورة إدانة قتل كل الأشخاص المدنيين وإدانة كل جرائم الحروب وعدم الكيل بمكيالين والتشديد على عمق المأساة الإنسانية الحادثة بالفعل فى غزة والكارثة التى سيحدثها الغزو البرى ومن ثم حث الغرب على الدعوة إلى وقف لإطلاق النار أو هدنة إنسانية كحد أدنى.
٢) يتعين على الحكومتين المصرية والأردنية مواصلة التنسيق الدبلوماسى والسياسى لتثبيت موقفهما الرافض لاستمرار الحرب والرافض قطعيا للتهجير القسرى للشعب الفلسطينى من غزة إلى مصر ومن الضفة إلى الأردن وللحديث بلغة واحدة مع إسرائيل ومع الغرب عن أن سيادة البلدين الوطنية مقدسة وأن التهجير لن يتم أبدا لمصالح البلدين العليا ولمنع تصفية القضية الفلسطينية. على مصر والأردن أيضا التنسيق مع الأطراف الفلسطينية فى غزة والضفة التى حسنا فعلت بإعلان رفض خطط التهجير والتنسيق عربيا بحشد المواقف العربية لتأييد الحقوق الفلسطينية والمصرية والأردنية. وقد كان البيان الصادر يوم الخميس الماضى عن ٩ دول عربية شاركت فى قمة القاهرة السلام والذى أعاد التأكيد على رفض التهجير بالغ الأهمية فى هذا السياق. يتعين على الحكومتين المصرية والأردنية أيضا رفع معدلات التنسيق مع الدول الأوروبية التى تساند حق تقرير المصير الفلسطينى وحل الدولتين وترفض التهجير وتدعو اليوم إلى هدنة إنسانية فى غزة وتشجيعها على تسجيل مواقفها بوضوح إزاء الإدارة الأمريكية التى تتخبط اليوم دون حلول سياسية واضحة وتنحاز بشدة إلى إسرائيل.
٣) يتعين على السلطة الفلسطينية والحكومتين المصرية والأردنية وبقية الحكومات العربية العمل دبلوماسيا وسياسيا على منع اتساع الصراع الحالى إلى ساحات إقليمية إضافية، وتشجيع إيران والحركات القريبة منها على التزام التهدئة. ولكى يكون هذا العمل ناجعا ينبغى أن يرتبط بسعى من أجل إقرار هدنة إنسانية أو وقف لإطلاق النار وفى جميع الأحوال مواصلة مطالبة أمريكا وأوروبا بالضغط على حكومة إسرائيل لعدم الشروع فى الغزو البرى. ويمكن هنا التنسيق مع الصين وروسيا القريبتين من الأهداف العربية، وكذلك مع منظمة الأمم المتحدة التى خرج أمينها العام بتصريحات شجاعة فى مواجهة الانحياز الغربى الأعمى لإسرائيل.