مستقبل التعليم في ظل أزمات المنطقة العربية

قضايا تعليمية
قضايا تعليمية

آخر تحديث: الأحد 27 أكتوبر 2024 - 6:55 م بتوقيت القاهرة

 

تقول الكاتبة شروق الحريرى، باحثة بمنتدى البدائل العربى ببيروت، إن المنطقة العربية تمر بمرحلة عصيبة لم تمر بها منذ سنوات، من انتشار رقعة الصراعات المسلحة- من السودان والحرب على فلسطين، والتى امتدت إلى كل من لبنان وسوريا واليمن. تتأثر كل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بفترة الصراعات والأزمات، والتى من ضمنها الحق فى التعليم، فى السودان لم يكن تدهور نظام التعليم هو تدهور لحظة الحرب، فقد بدأت مراحل التدهور بشكل منهجى منذ عقود نتيجة ضعف الموارد الحكومية، والتدهور الاقتصادى الذى أدى بالتبعية إلى تدهور نظام الأجور والإنفاق على التعليم، وبعد عام على الصراع فى السودان فقد حوالى 6.5 مليون طفل وطفلة إمكانية الوصول إلى المدرسة، بسبب تزايد العنف وانعدام الأمن فى منطقتهم، كما يواجه قرابة مليون و100 طالب وطالبة من طلاب الشهادة الثانوية مصيرًا غير معروف بعد تعذر إنجاز الامتحانات، التى كانت مقررة فى مايو 2023، وهناك أكثر من 3 ملايين طفل فى المراحل التعليمية الأولى -الصف الأول والثانى والثالث ابتدائى- هم عرضة الآن للأمية، بسبب الغياب الطويل عن مقاعد الدراسة. هذا إلى جانب مجموعة من أضرار البنية التحتية الخاصة بالتعليم «المنشآت التعليمية»، حيث تحولت العديد من المنشأة التعليمية إلى دور إيواء للنازحين والنازحات.

تتابع الباحثة: أما فى فلسطين فيؤثر الاحتلال بشكل كبير على العملية التعليمية فى الظروف الطبيعية، إلا أن مع الحرب على فلسطين التى بدأت منذ 7 من أكتوبر حتى الآن كان قطاع التعليم من القطاعات الأكثر تضررًا، بدءًا مع إعلان وزارة التعليم توقف العام الدراسى مع استحالة سير العملية نتيجة العدوان، كما تضررت البنية التحتية نتيجة القصف المستمر.

وتضيف الباحثة: خلال ورقتى سياسات قدمتهما باحثتان من الشبكة العربية للباحثات/ين الشباب فى مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت إشراف منتدى البدائل العربى للدراسات ببيروت، تطرقت الباحثة أروى أبوهشهش من فلسطين فى ورقتها «حرمان الطلاب من التعليم فى قطاع غزة، وجه آخر للإبادة»، والباحثة آمنة عبدالمطلب من السودان فى ورقتها بعنوان «توقف التعليم وتحول المدارس إلى دور إيواء للنازحين»، إلى تداعيات الصراعات على التعليم فى كل من فلسطين والسودان كنموذج للتعامل مع إشكاليات التعليم فى ظل الأزمات، وقدمتا بعض التوصيات فى هذا المجال. حيث إن هناك العديد من التجارب الدولية لفترات النزاعات والصراعات والحروب، ومنها تجارب داخل المنطقة العربية كاليمن وليبيا وسوريا، تتراوح بعض استراتيجيات التعامل مع تداعيات الحروب على التعليم بين استراتيجيات إقليمية للتعاون الدولى مع المنظمات الدولية العاملة فى مجال التعليم (منظمة صدقات الخيرية - يونيسيف - save the children - تعليم بلا حدود)، لإيجاد بدائل لمراكز الإيواء بالمدارس التى تستضيف الأشخاص النازحين، هذا إلى جانب التعاون الدولى من أجل وجود خطط وسياسات واضحة لكفالة الحق فى التعليم كأحد الحقوق الأساسية وقت الحروب.

ظهرت أيضًا بعض المبادرات والبدائل المحلية فى تجربة الاحتلال والتى يمكن أن تساعد فى العديد من الخبرات والتجارب الأخرى فى المنطقة، والتى تنصب على التعاون مع المنظمات الدولية لتوفير منح ومساعدات للطلاب لاستكمال مسيرة التعليم ما قبل الجامعى أو الجامعى فعلى سبيل المثال تقدمت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالتنسيق مع المنظمات الفلسطينية من تنظيم أنشطة ترفيهية للأطفال، وأنشطة تعليم لا منهجية. بالإضافة إلى ترتيب امتحانات التوجيهى للطلبة الغزيين فى جمهورية مصر العربية. أما على الأمثلة الشعبية للتكاتف فقد أطلق عشرات التربويين فى قطاع غزة عديدًا من المبادرات التى تستهدف تعليم الأطفال خاصة فى الصفوف الابتدائية، والتى تركز بشكل أساسى فى تعليم المواد الأساسية كالرياضيات واللغة العربية واللغة الإنجليزية، كما توفر مساحات للتفرغ واللعب للأطفال. وتنظم هذه المبادرات فى خيم تعليمية سواء فى نقاط عشوائية يحددها المبادرون حسب الظروف أو فى مراكز الإيواء.

•  •  •

من جانب آخر، تناول محمد سيد، باحث متخصص فى قضايا التعليم بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تأثير تدهور الأوضاع الاقتصادية بمصر على الحق فى التعليم، وخطط الحكومة لتحقيق احتياجاتها من المدارس من أجل تغطية الزيادة السكانية المتوقعة فى السنوات المقبلة.

أشار وزير التربية والتعليم إلى توقع زيادة 10 ملايين طالب وطالبة بحلول عام 2030. قال الوزير، خلال حوار صحفى على قناة «سى. بى. سى»، إن مصر بحاجة إلى 250 ألف فصل لتقليل الكثافة الطلابية، التى تصل فى بعض المناطق إلى 200 طالب فى الفصل الواحد. طرح الوزير عدة حلول لتقليل الكثافات، حيث كان المقترح الأول تحويل المدارس الثانوية إلى فترات مسائية، واستغلال هذه المدارس للمرحلتين الإعدادية والابتدائية فى الفترة الصباحية، وذلك حسب احتياجات كل إدارة تعليمية. أما المقترح الثانى فهو «الفصل المتحرك».

مع بداية العام الدراسى 2024/2025، أصدرت وزارة التعليم بيانًا يفيد بأنها نجحت فى خفض الكثافات الطلابية إلى أقل من 50 طالبًا فى جميع مدارس الجمهورية، ما عدا 47 مدرسة، وذلك من خلال استحداث 100 ألف فصل. لكن هذا الوضع يتطلب توفير معلمين لتغطية الفصول الجديدة، فى حين نعانى من عجز يصل إلى 460 ألف معلم.

يقول الباحث: «ستعتمد الوزارة على إتاحة الفرصة للمعلمين لزيادة نصابهم الأسبوعى من الحصص بمقابل 50 جنيهًا للحصة الإضافية. وهذا يعنى أن الدولة تسعى لتعويض انخفاض رواتب المعلمين من خلال إضافة حصص إضافية، دون التركيز على تحسين الرواتب بشكل فعلى. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الحصص عن النصاب المقرر تُعتبر عبئًا إضافيًا على المعلمين، ما يؤثر سلبًا على تفاعلهم وجودة الشرح داخل الفصل مع الطلاب.

كما تعتمد الوزارة على الاستعانة بـ50 ألف معلم بالحصة، لكن تأثير هؤلاء المعلمين المؤقتين على جودة العملية التعليمية لا يزال غير واضح، فضلًا عن عدم الاستقرار الوظيفى الذى يعانون منه بالفعل.

يشير تقرير البنك الدولى لعام 2022 إلى أن مصر بحاجة إلى بناء 117 ألف فصل خلال خمس سنوات أى من 2022 إلى 2027. مما قد يخفف الضغط قليلًا على المدارس الحكومية ويخفض الكثافة إلى 45 طالبًا فى الفصل. ويتطلب ذلك بناء حوالى 23 ألف فصل سنويًا، مع افتراض أن الزيادة الطلابية ستبقى ثابتة حتى عام 2026. لكن، هل مشكلة الفصول فى مصر تقتصر على مجرد توفير الأموال؟

يضيف الباحث: تتناول دراسة بحثية لدكتورة هانيا صبحى، الباحثة فى معهد ماكس بلانك فى ألمانيا، تحديات وعوائق أخرى تواجه بناء المدارس فى مصر، مثل مشكلات التكاليف وسوء توزيع الموارد، ومركزية القرارات فى عمليات البناء. كما تشير الورقة إلى مشكلات صيانة المدارس الناتجة عن سوء التنسيق بين الوزارة وهيئة الأبنية التعليمية، وتوضح أن النموذج الموحد المستخدم لا يأخذ فى الاعتبار طبيعة المجتمعات الريفية والحضرية.

وضعت الورقة عدة توصيات لتفادى هذه المشكلات، تتضمن بناء مدارس أكبر فى المناطق الحضرية التى تعانى من تكدس سكانى، وأصغر فى المناطق الريفية، واعتماد بعض اللا مركزية فى هيئة الأبنية التعليمية للتنسيق مع الفاعلين المحليين، ووضع مؤشرات لتخطيط المدارس، لضمان العدالة فى التعليم، مثل إلغاء نظام تعدد الفترات، وتحسين نظام الصيانة، والاهتمام بالمدارس التى تعانى من سوء النظافة، وأخيرًا تطوير نماذج بناء المدارس بما يتناسب مع احتياجات المجتمعات الحضرية والريفية.

يجب الإشارة أيضًا إلى أن متوسط الكثافات الطلابية فى عام 2023/2024 لا يزال مرتفعًا، حيث سجلت المرحلة الابتدائية 50 طالبًا، والمرحلة الإعدادية 48 طالبًا، والمرحلة الثانوية 41 طالبًا فى الفصل الواحد.

لذا، هناك ضرورة لزيادة الميزانية المخصصة لبناء الفصول، ليس فقط لحل مشكلة الكثافات الطلابية، بل أيضًا للتخلص من نظام تعدد الفترات الدراسية فى المدارس، حيث إن 59.7% من المدارس تعمل بهذا النظام، و62% من الطلاب يتلقون التعليم فى فصول متعددة الفترات. ويؤثر هذا النظام سلبًا على الوقت المتاح للطلاب فى المدرسة، ما يحرمهم من الأنشطة التعليمية الأخرى.

يختتم الباحث مقاله: لتحقيق كل ذلك، من الضرورى الالتزام بالدستور فيما يتعلق بالإنفاق على التعليم. يجب أن تعتبر الدولة التعليم مشروعًا قوميًا بتطبيق المواد الدستورية بحق، فتحقيق هذه النسب فعليًا يعطينا فرصة لتقديم حلول حقيقية لمشكلات التعليم، وبإمكانياتنا الحقيقية.

 

• شروق الحريرى

• •  محمد سيد

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved