لا يضيع الحق في ازدحام الصور

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 27 أكتوبر 2024 - 6:50 م بتوقيت القاهرة

كل شخص تلتقى به يطمرك بالأسئلة أو الاستفسارات أو حتى التلميحات وبعضهم يهوى أن يتحول إلى محلل للأحداث عارف ببواطن الأمور وتوجهات السياسات العامة فى الدول القريبة والبعيدة، ولَمَ لا وهناك كل هذه الأعداد من المحللين والخبراء والمختصين السياسيين والعسكريين والاستراتيجيين الذين خرجوا فجأة ليملأوا ساعات للبث على شاشات التلفزة أو عبر وسائط التواصل المختلفة.

• • •

كل من استهوته الشهرة أو أحب التعبير عن غضب أو فرح أو شماته، كلهم وجدوا لهم مساحات وجمهورا فى كثير من الأحيان يتابعهم، ويعلق بكلمات مثل «أحسنت» ومديح وإطراء من جيوش من غير المطلعين أو مدعى المعرفة أو فقط من الجهلة الذين لم يقرأوا ولا يقرأوا ما يحدث الآن، فكيف لهم أن يقرأوا دروس التاريخ ويستوعبونها!

• • •

نعم هناك إبادة جماعية وإلغاء وتدمير واستعمار يطمح لأن يمد حدوده فيضم مدنًا وبحارًا وأنهارًا وخلجان وجوامع وكنائس وأماكن مقدسة وأخرى تاريخية تخص شعوب تلك البلدان فقط. ونعم فمن يقوم بذلك ليس وحده، بل تكالب العالم «المتحضر والمتطور»، لمساندته فى القتل والدمار ومزيد من الموت المعلب فى شعارات الدفاع عن النفس أو القضاء على الإرهاب أو حتى تلك الكذبة الكبيرة التى يرددها بعض المواطنين من هذا البلد أو ذاك وأخوتهم لا يزالون أحياء تحت الحجار والصواريخ تلاحقهم، الكذبة التى تقول: «نحن سنحول هذه البقعة أو تلك المدينة أو القطاع إلى واحة من الرخاء والجمال والسعادة، كما حال ذاك البلد». فيما لا يعرفون الرخاء والتنمية السعادة، وكلها فى لغتنا لها معانٍ متعددة وتعريفات أيضًا.

• • •

ونعم أيضًا أن كثيرين منا لم يتصوروا حتى فى أحلامهم الواسعة أن تُشن حرب إبادة بهذه الوحشية والفجور أمام أنظار العالم لحظة بلحظة وهو أى العالم يقف إما صامتًا أو منددًا على حياء أو ربما فقط يطالب الضحية أن تتوقف عن الدفاع عن نفسها وتستسلم للمحتل الذى يرتكب أكبر حرب ليس على فلسطين ولبنان واليمن وسوريا فقط، بل على الإنسانية فى عمق مفاهيمها التى نصت عليها الأعراف والقوانين الدولية، والتى بقيت شماعة تلوح بها الدول الكبرى فى وجه كل من يختلف معها أو يعارضها.

• • •

وسط كل هذا الاعتراف بأنها حرب إبادة موجعة ومدمرة ودامية وقد تعيد المنطقة برمتها إلى ما قبل سايكس بيكو، ويتجول ذاك الرجل الأبيض المخمور، سواء كان إنجليزى أو فرنسى أو أمريكى أو صهيونى، ويمسك بعصاة يرسم بها حدود هذا البلد أو ذاك فوق الرمال والكثبان فيقسم الشارع الواحد بين بلدين وتدخل الجدران لتفصل الأب عن أبنائه والأم عن عائلتها.. نعترف بكل ذلك ولكننا فى المقابل لا نفهم لما إلحاح البعض على الإمساك فقط بهذه السردية ورفض أى خبر هنا أو صورة هناك لمقاتل مقاوم يقف وحيدًا، كما السنوار، فى وجه كتيبة من جنودهم الجبناء أو يختبئ تحت شجرة زيتون أو بين حجارة لما تبقى من بيت هناك. يقف هو يقاومهم جميعا بما استطاع بعصا هنا أو حجر هناك بعد أن تنفذ الذخيرة من مسدسه أو بندقيته، بل بيده المصابة ورجله المبتورة أو فقط بنظرته التى تقول لهم: «إننا لمنتصرين رغم طول الألم والزمن وبحار الدم» فلا يستطيعون هم المدججون بأسلحتهم الحديثة سوى أن يبعدوا أنظارهم خوفًا بل رعبًا، من نظرة المقاوم فى سبيل الحق. فيبقون هم المقاومون الصامدون المؤمنون بحقهم وحق شعوبهم ويموت كل أولئك الذين لن يتذكر أحد أسمائهم أو وجوههم فيما وجهه هو يشع فوق أسطح المبانى، وفى واجهة المنازل وعلى صفحات النشرات والكتب بل يتحول تدريجيًا، كما جيفارا إلى أسطورة بعد أن قتلوه فيما هم لا صورة لهم لا فى الذاكرة ولا فى الأزقة المعتمة.

• • •

لا إجابات والحروب تحرق الأرض بل تأتى وستأتى الإجابات تباعًا لو صبرنا ووفرنا نشر الصور المحبطة، وقاومنا نحن بقدر ما نستطيع من مقاومة، وهو ألا نسمح للصهيونى أن يشتت انتباهنا ووحدة صفوفنا وإيماننا بأن الحق لمنتصر مهما طالت ساعات الظلمات أو ما يبدو على أنه كذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved