فلننأى بأنفسنا عن هذه الصفقة الجائرة
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 27 نوفمبر 2010 - 9:55 ص
بتوقيت القاهرة
ليست هذه هى المرة الأولى التى تخضع فيها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لابتزاز إسرائيل. تنوعت عمليات الابتزاز هذه بين مكشوفة ومستترة، وتنوعت أيضا أساليب الابتزاز من نفوذ الموالين من داخل الإدارات نفسها، إلى اللوبى الإسرائيلى النافذ والمنظمات اليهودية المؤثرة.أضف إلى ذلك أعضاء الكونجرس الموالين لإسرائيل فى الحزبين الجمهورى والديمقراطى. كما لا يجب أن نغفل دور الإعلام الذى قد يُحل الحرام ويُحرّم الحلال.
ولعل من أخطر الابتزازات الإسرائيلية ما كشفت عنه وثائق أرشيف الأمن القومى الأمريكى من التجاء سفير إسرائيل فى واشنطن سيمحا دينيتس للابتزاز النووى فى حديثه مع هنرى كيسنجر مستشار الأمن القومى يوم 9 أكتوبر 1973، وذلك من أجل ضمان حصول إسرائيل على أكبر وأسرع دعم عسكرى أمريكى ممكن بعد أن خسرت إسرائيل ــ باعتراف السفير ــ فى الأيام الثلاثة الأولى من حرب أكتوبر 400 دبابة على الجبهة المصرية و100 دبابة على الجبهة السورية. يقول المستند الذى كشف هذا الابتزاز أن السفير الإسرائيلى قد يكون قد حرص على إقحام عنصر الابتزاز النووى فى حديثه. إذ بينما رفضت جولدا مائير نصيحة العسكريين باستخدام السلاح النووى، إلا أنها أصدرت تعليماتها بتجهيز ورفع حالة الاستعداد لصواريخ جيركو التى هى عصب وسائل إطلاق الأسلحة النووية لدى إسرائيل.
ربما أكون قد أسرفت كثيرا على القارئ بسرد هذه المقدمة، إلا أننى أراها مفتاحا لتفسير الصفقة الأخيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والتى تقضى بتوفير الدعم العسكرى والسياسى للأخيرة، فى مقابل ثمن بخس يتمثل فى وقف النشاط الاستيطانى لأشهر معدودات لا تزيد على ثلاثة، وعلى ألا يشمل ذلك الحظر القدس.
وفى غياب تصريحات رسمية، حاولت أن أحصر ما نشرته وسائل الإعلام عن هذه الصفقة:
أولاــ من الناحية العسكرية:
1ــ أهمية وجود اتفاق تعاون عسكرى شامل بين أمريكا وإسرائيل.
2 ــ إمداد إسرائيل مجانا بعشرين طائرة من طراز F-35 قيمتها الفعلية ثلاثة مليارات دولار، بالإضافة إلى الصفقة السابقة المتضمنة عددا مماثلا من نفس الطراز.
3 ــ رفع المخزون العسكرى الأمريكى فى إسرائيل لثلاثة أضعافه ليصل 1.2 مليار دولار عام 2012. والمهم أنه يحق لإسرائيل أن تسحب ما تريد من هذا المخزون فى حالات الطوارئ.
4 ــ هناك أنباء عن تبنى الولايات المتحدة طلب إسرائيل فى الاحتفاظ بقوات لها على طول نهر الأردن فى المفاوضات المقبلة.
ثانيا ــ من الناحية السياسية:
1ــ قطعت الولايات المتحدة على نفسها عهدا بأن تكون فترة التجميد الجديدة للاستيطان وهى ثلاثة أشهر هى آخر فترة تجميد ستطلبها أمريكا من إسرائيل!
2 ــ ستستخدم أمريكا الفيتو فى مجلس الأمن لحماية إسرائيل من أية قرارات قد لا تروق لها وأولها الاعتراض على أى قرار يدعو إلى قبول دولة فلسطين كعضو كامل بالأمم المتحدة.
3 ــ ووفقا لما أبلغه المستشار الرئاسى الأمريكى المعنى بالشرق الأوسط بجمع من زعماء اليهود يوم 12 نوفمبر الجارى فإن أمريكا تلتزم بالتصدى إلى:
ــ أى محاولات تمس شرعية إسرائيل بسوء، بما فى ذلك أية إجراءات لوضع توصيات تقرير جولدستون عن العدوان على غزة موضع التنفيذ.
ــ أى قرار يصدر عن الأمم المتحدة متعلقا بالعدوان الإسرائيلى على قافلة الحرية.
ــ كل محاولة لإثارة قضية البرنامج النووى الإسرائيلى أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ــ وبالإضافة إلى ذلك تلتزم الولايات المتحدة بتكثيف الضغوط على كل من إيران وسوريا فيما يتعلق بأنشطتهما النووية.
وإمعانا فى الابتزاز يصر نتنياهو على أن تصله كل التعهدات الأمريكية العسكرية والسياسية هذه بشكل كتابى.
قد يمر وقت طويل قبل أن نتعرف تماما على أساليب الابتزاز التى لجأت إليها إسرائيل للحصول على كل هذه التعهدات الأمريكية. إنما مما لاشك فيه أنها تتمحور حول إبراز أهمية الدور الإسرائيلى فى حماية المصالح الأمريكية فى المنطقة، وفى جمع المعلومات الاستخباراتية. وربما تكون إسرائيل فى مجال الابتزاز قد هددت بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية كما فعلت حيال المفاعل العراقى عام 1981، وكما هددت بمهاجمة العراق ردا على إطلاقه الصواريخ عليها أثناء حرب الكويت عام 1991. بل لا يستبعد أن هذه التعهدات قد قدمت فى مقابل امتناع إسرائيل عن ارتكاب حماقات جديدة، أصبحت تتكرر سنويا، مثل غزو لبنان عام 2006، وتدمير المنشأة التى ادعت إسرائيل بأنها نووية فى دير الزور بسوريا عام 2007، ثم الهجوم على غزة فى 2008/2009.
نسمع الآن عن شعور بالإحباط لدى السلطة الفلسطينية حيال هذه الصفقة الجديدة، وتوجهها لعرض الأمر على مؤسسات منظمة التحرير وحركة فتح وعلى الجامعة العربية. وفى هذا الصدد أود أن أطرح عددا من الاعتبارات والتساؤلات التى لا يمكن تجاهلها فى المرحلة الحالية:
1ــ هل يمكن للولايات المتحدة ــ حتى وإن لم تصدق كل التسريبات الإعلامية ــ أن تمارس دورها كوسيط نزيه فى عملية التفاوض؟
2 ــ أليس القبول بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر فقط يعنى القبول ضمنيا باستئناف النشاط الاستيطانى بعد انقضاء هذه المدة؟
3 ــ أين هذا مما قاله أوباما فى خطابه بجامعة القاهرة فى 4 يونيو من العام الماضى من «أننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية، وأن عملية البناء هذه تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوض الجهود المبذولة لتحقيق السلام. لقد آن الأوان كى تتوقف هذه المستوطنات». أشعر أننا إذا قبلنا هذا الطرح الجديد سنكون قد خذلنا أيضا هؤلاء الذين آلوا على أنفسهم سواء فى أوروبا أو أمريكا التصدى للنشاط الاستيطانى، ومقاطعة منتجات المستوطنات، وسحب الاستثمارات من الشركات التى تتعامل معها، وكذلك مقاطعة الأنشطة الثقافية بها.
4 ــ لا يتصور عاقل إمكانية التوصل إلى اختراق حقيقى بالنسبة للقضايا المطروحة خلال ثلاثة أشهر، وأعجز تماما عن التوفيق بين فكرة التجميد لثلاثة أشهر وما ألمحت إليه الإدارة الأمريكية نفسها يوم 15 نوفمبر الجارى من أن فترة العام التى وضعها أوباما كهدف لتحقيق اتفاق لم تعد كافية!
حتى إذا تم التركيز على قضيتى الحدود والأمن فقط خلال هذه الأشهر الثلاثة فسيبقى التساؤل حول ما إذا كان فى مقدور الفلسطينيين القبول بضم الكتل الاستيطانية الضخمة لإسرائيل كما وعدها بوش رسميا فى كتاب موجه إلى شارون فى 14 أبريل 2004، والذى تتمسك إسرائيل الآن بما جاء به؟ وبالنسبة لقضية الأمن، فهل السلطة الفلسطينية على استعداد لقبول العرض الإسرائيلى الحالى بأن تبقى دولة فلسطين منزوعة السلاح، وبلا سيادة على مجالها الجوى ومياهها الإقليمية، ويرابط جيش إسرائيل على طول نهر الأردن بموافقة أمريكية؟.
لعلى لا أبالغ إذا تصورت أننا أمام مسرحية هزلية يلعب الجانب الأمريكى (ما بين وزارة خارجية متساهلة وبين بيت أبيض متشدد) والجانب الإسرائيلى (بين رافض ومتمنع وقابل) الأدوار الرئيسية فيها. والمهم الآن ألا نسمح لأنفسنا بالمشاركة فيها وأن ننأى بأنفسها تماما عن لعب أى دور بها. وأتصور أن يكون شاغلنا الأكبر والأساسى فى الفترة المقبلة الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية والحصول على اعتراف الدول بها، وصدور توصية من مجلس الأمن للجمعية العامة بقبولها كعضو كامل فى الأمم المتحدة لمختلف الاعتبارات التى سبق أن تعرضنا إليها فى مقالات سابقة.