يارب انقلاب ٠٠ يارب شهيد التصعيد إلى الأسفل
وائل قنديل
آخر تحديث:
الثلاثاء 27 نوفمبر 2012 - 11:50 ص
بتوقيت القاهرة
كان البعض يتحرق شوقا استعجالا لإعلان موت الشهيد جابر صلاح " جيكا" ، فقط للاستثمار السياسي ، وتشاء الأقدار أن يسقط شهيد آخر في اللحظة التي تصعد فيها روح جيكا إلى بارئها ، ليستفيق الكل على فاجعة تساقط أجمل الزهور ثمنا لمهرجان العبث السياسي المنصوب بطول مصر و عرضها٠
إن دماء جابر في محمد محمود و إسلام في دمنهور تفضح الجميع ، سلطة و معارضة ، و تصرخ فيهم أن يتوقفوا عن لعبة الموت ، و يكفوا عن إلقاء مزيد من الحطب في الحريق الذي سيطالنا جميعا ، و يلتهم ما تبقى من ثورة دفعنا فيها كل مدخراتنا من الحلم بوطن أجمل و أنظف٠
و من العبث أن يستغرق البعض في لعبة المقارنة و المفاضلة بين دم جابر و دم إسلام ، فالدم واحد و الجرح واحد ، و القاتل واحد أيضا ، فكلاهما شهيد للعبث و الارتباك و الاقتتال بين فرقاء كانوا في معسكر واحد ثم تفرقت بهم السبل٠
وتبقى قمة العبث و العوار الأخلاقي أن يمني البعض النفس بانقلاب يطيح بالسلطة المنتخبة ، و كأننا قررنا أن نكفر بالثورة و قيمها و معانيها ، و نسلمها مرة أخرى لمن قامت ضدهم ٠
مع شديد الاحترام لدعوات التصعيد ضد الاستبداد و الديكتاتورية ، فإن التصعيد يكون دائما إلى الأعلى ، و ليس إلى الأسفل ، التصعيد يكون اقترابا من أهداف و مطالب و أحلام الثورة ، و ليس ابتعادا عنها و التصاقا بما هو ضدها ٠
التصعيد يكون ارتقاء إلى قيم الحق و الكرامة الإنسانية و العدالة و الحرية و الديمقراطية و التعايش في مجتمع إنساني ، و دون ذلك هو انخفاض و هبوط إلى الأسوأ ٠
ولا أحد يملك آن يقف أمام النزوع إلى التصعيد في النضال ضد الاستبداد و الديكتاتورية ، لكن ذلك لا يكون بالاصطفاف مع استبداد أوضح و ديكتاتورية أكثر وضاعة ، في مشهد مهين للشهداء و للثورة يلتقي فيه و يتعانق المناضلون و القتلة ، و يتجاور فيه الثوار مع أعداء الثورة٠
و على ذلك تحسن القوى الثورية صنعا إن هي أعلنت بشكل قاطع أن نضالها ضد الاستبداد لا ينفصل عن النضال ضد الثورة المضادة ، التي تجد في هذه الحالة من الاحتراب السياسي مرتعا خصبا كي تطل بوجهها القبيح ، و تخترق معسكر الثورة و تمتطيه آحيانا ٠
و في هذا الوضع الكئيب لا حل أمام الجميع إلا الحوار و التوافق وصولا إلى عقد اجتماعي ينهي حرب القبائل المشتعلة ، و يقود إلى حالة من التعايش المتحضر ، و المسئولية الأكبر هنا تقع على عاتق من بيده السلطة ، و آمام الرئيس فرصة يؤكد من خلالها أنه رئيس لكل المصريين ، فإذا كان هذا الإعلان الدستوري هو اللغم الذي ينذر بتفجير مصر ، فلنبطل مفعول هذا اللغم ، و نرحم البلاد من هذا الاستنزاف للدماء و للطاقات و للثورة ٠
انصتوا جيدا لرسالة الشهيدين الصغيرين ، و أوقفوا هذه المحرقة٠