العسكريون فى الحياة السياسية الأمريكية
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 28 نوفمبر 2016 - 12:53 م
بتوقيت القاهرة
نشر معهد المشروع الأمريكى American Enterprise Institute تقريرًا لـ«ريبيكا بورجيس»، مديرة برنامج المواطنة الأمريكية بالمعهد، حول ميل المواطنين الأمريكيين إلى اختيار الأفراد ذوى الخلفية العسكرية (المحاربين القدامى بالجيش الأمريكي) للمناصب والوظائف القيادية وتفضيلهم وإعطائهم الأولوية فى ذلك عن المدنيين الذين لا تحتوى سيرهم الذاتية على أية خبرات عسكرية، فضلًا عن ثقة الرأى العام الأمريكى بشكل عام بالمؤسسة العسكرية الأمريكية والتى لا تضاهيها أى مؤسسة أخرى على الإطلاق اجتماعية كانت أو حكومية.
تبدأ «بورجيس» بأن الناخبين الأمريكيين يفضلون بل ويشعرون براحة وطمأنينة عند انتخابهم مسئولين وقادة ممن لديهم خلفية عسكرية. وقد يعود ذلك إلى التزام هؤلاء العسكريين بالخدمة العامة ومتطلباتها، واعتقاد المواطن الأمريكى بأن هؤلاء الجنود السابقين لديهم القدرة والخبرة التى تؤهلهم لتولى مثل هذه المناصب.
وقد أكد المحاربون الأمريكيون القدامى ما اعتقده «ألكسيس دو توكفيل»، المؤرخ والمنظر السياسى الفرنسى، بأن الجنود الأمريكيين يؤدون واجباتهم العسكرية ولكن أرواحهم لا تزال تتعلق بمصالح ورغبات يتمنون تحقيقها بالحياة المدنية.
من جهة أخرى يلقى التقرير الضوء على أن نسبة ضئيلة من الأمريكيين يخدمون بالجيش، فضلًا عن التناقص الكبير بعدد المحاربين القدامى بالنسبة إلى إجمالى عدد السكان الأمريكيين، ليس ذلك فقط بل أيضًا انخفاض أعداد من يتطوعون بالخدمة العسكرية انخفاضًا ملحوظَا، كل ذلك قد أدى إلى قلة حضور الأعضاء ذوى الخبرة بالحياة العسكرية والحروب بالكونجرس الأمريكى.
***
على صعيد آخر يشير التقرير أنه بين جميع المؤسسات الأمريكية الاجتماعية والحكومية تحظى المؤسسة العسكرية دائمًا بأعلى معدلات الثقة من قبل الرأى العام الأمريكى، سواء فى أوقات الحروب أو خارجها، فمعدلات الثقة وطمأنينة المواطنين الأمريكيين بالمؤسسة العسكرية مرتفعة وثابتة فى جميع الأوقات. فى حين يأتى الكونجرس فى نهاية هذه المؤسسات التى تحظى بثقة الأمريكيين. وبالتالى فالوضع مهيأ تمامًا من أجل استغلال أسهم المحاربين القدامى المرتفعة بالوظائف العامة، فدائمًا ما يتوقع المواطنون الأمريكيون ممن لديهم هذه الخبرات القدرة على تحقيق الأمن والسلام.
على الرغم من أن هناك بعض التركيز على العدد المتناقص من قبل المحاربين القدامى بالكونجرس، إلا أن نفس الاهتمام والنظرة للمحاربين لم تنتقل إلى المناصب القيادية عبر 50 ولاية أمريكية.
تشير الكاتبة إلى أنه وللوهلة الأولى قد نجد ذلك التمثيل الضعيف لذوى الخبرات العسكرية بالمناصب القيادية نتيجة طبيعية وذلك لقلة عددهم بالنسبة إلى عدد السكان، ولكن مع التدقيق نجد أن ذلك الانخفاض بالوظائف العامة ضئيل للغاية ولا يتناسب حتى مع انخفاض أعدادهم بالنسبة لاجمالى السكان. ويرجع ضعف التمثيل لهؤلاء المحاربين العسكريين القدامى لعدة أسباب يأتى أبرزها لتقليل حجم القوات المسلحة الأمريكية عقب انتهاء الحرب الباردة، وقد لعبت العوامل الثقافية دورًا أيضًا فى ذلك؛ كالنقاشات التى جرت عقب حقبة حرب فيتنام والتى أدت إلى تزايد الفجوة، وإن كان بشكل مصطنع، فيما بين العسكريين والنخبة السياسية الأمريكية.
من العوائق أيضًا التى تقابل قدامى المحاربين من الوجود بالكونجرس التكلفة الباهظة والمتصاعدة للحملات اللازمة للنجاح بانتخابات الكونجرس، فضلًا عن صعوبة اكتسابهم للخبرات السياسية الملائمة التى تؤهلهم للترشح لمنصب بالحكومة الفيدرالية. ورغم ذلك فالمجالس التشريعية للولايات المتحدة تروى قصة مختلفة فيما يتعلق بقدامى المحاربين والخدمة الثانية بالحياة المدنية؛ حيث أنه فى حين يمثلون 9% من سكان الولايات المتحدة البالغين يشكل قدامى المحاربين فى المتوسط 14% من المجالس التشريعية عبر 50 ولاية، فبين 7383 مشرِّعًا نجد 1039 منهم لديه خبرة عسكرية، بل وتشمل هذه المجالس كل فرع من فروع القوات المسلحة (بما فى ذلك الجيش والقوات الجوية والبحرية ومشاة البحرية وخفر السواحل والحرس الوطنى).
***
خلال أكثر من قرنين من الزمان كرَّس العديد من المواطنين الأمريكيين حياتهم من أجل الدفاع العسكرى عن البلاد، ولكنهم كانوا على يقين من عودتهم مجددًا إلى الحياة المدنية عقب انتهاء خدمتهم العسكرية بشكل رسمى. ورغم أن الدولة قد أرغمت كثيرًا من الأفراد لتلبية واجبات الخدمة العسكرية، إلا أن المؤسسة العسكرية قد شهدت تطوعا لعدد من الأفراد لارتداء الزى العسكرى وتلبية واجباته. وجدير بالذكر أن عقب انتهاء الخدمة العسكرية لعدد ليس بالضئيل من الأفراد توجهوا إلى الخدمة المدنية وبخاصة داخل أروقة الحكومة.
تؤكد «بورجيس» فى السياق ذاته أن انتقال قدامى المحاربين بالجيش إلى أروقة الحكومة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية تعكس انتقالا مماثلا حدث فى غضون الحرب الأهلية الأمريكية والثورة الأمريكية (وإن كانت بدرجة أقل كثيرًا)، وذلك يعكس أن هؤلاء المحاربين القدامى يدركون تمامًا الحياة السياسية للأمة وتقلد هذه المهام ليس بالجديد عليهم، وأنهم على أتم الاستعداد للقيادة وترجمة خبراتهم العسكرية فى الحياة المدنية، كالوظائف الحكومية والقيادية بشكل كبير.
أما فيما يتعلق بالمحاربات القدامى ووضعهن بالحياة المدنية الأمريكية؛ فقد جاء تمثيل النساء ذات الخبرات العسكرية بجميع المناصب الحكومية والوطنية بنسبة أقل من 1%، ويشير التقرير إلى بلوغ عدد المحاربات القدامى بين عموم سكان الولايات المتحدة 2 مليون نسمة وذلك بنسبة 10% إلى مجموع السكان «من الفئات العمرية المرتفعة». واليوم يشغلن 37 مقعدا بالمناصب الحكومية؛ ما بين عضوات بالكونجرس أو مجلس الشيوخ الأمريكى أو نائبات للحاكم أو ممثلات للدولة. وبشكل أكثر عمقًا وفيما يتعلق بالانتماء الحزبى لهن؛ تنتمى 19 سيدة ممن لديهن خبرات عسكرية إلى الحزب الجمهورى، فى حين تنتمى 18 إلى نظيره الديمقراطى، ومن الملاحظ أن النسب متقاربة للغاية ولا يستحوذ أى حزب على نسب كبيرة على نحو يشكل فجوة أو تفاوت بالنسبة للحزب الآخر، ويأتين ممثلات لجميع عناصر الجيش الأمريكى (أى ممثلات لخفر السواحل وسلاح مشاة البحرية والقوات البحرية والقوات الجوية والجيش).
***
تختتم الكاتبة بأنه تأكيدًا على كل ما سبق فقد شهدت الولايات المتحدة عبر تاريخها وفى أوقات عديدة تولى من هم ذوو خلفية عسكرية لمناصب قيادية حكومية؛ فمثلًا قد شهدت من بين 25 رئيسا للبلاد 21 ذوى خلفية وخبرة عسكرية؛ بداية من جورج واشنطن (الرئيس الأول للبلاد وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية)، والذى قد استعان خلال ولايتيه بعدد من ضباط الجيش القارى أمثال هنرى نوكس، إدموند راندولف، تيموثى بيكرينج وألكسندر هاميلتون، وليس هذا فحسب بل كانت الخدمة العسكرية متطلبًا رئيسيًا من أجل تقلد الوظائف العامة بالولايات المتحدة، وكانت الرتبة العسكرية معيارًا للوطنية منذ إعلان استقلال البلاد.
إعداد: نهاد محمود
النص الأصلي: هــــنـــــا