حبيب الروح
محمود قاسم
آخر تحديث:
الإثنين 27 نوفمبر 2023 - 6:55 م
بتوقيت القاهرة
فى بداية الخمسينيات كانت مكانة الفن خاصة السينما فى أرقى حالاتها وكم شعر كُتَّاب الأفلام بالفخر لانتمائهم إلى تلك المهنة خاصة كُتَّاب السيناريو، ومِن أبرزهم أبو السعود الإبيارى الذى كتب فيلم «حبيب الروح» مع المخرج والممثل أنور وجدى، وكم أريد تخصيص الحديث عن هذا الفيلم من خلال مكانة ونشاط الممثل والمخرج إبراهيم عمارة الذى اقتصر فى أعماله على جانب الوعظ والنصيحة المباشرة كممثل ومخرج وكاتب سيناريو، فهو يميل إلى تمثيل الشخصيات الملتزمة دينيا، ويعتبر من أوائل الذين آمنوا بأن السينما يجب أن تكون مباشرة فى رسالتها من خلال النصوص المقدسة، ولم يخرج عمارة عن دوره الذى رسمه لنفسه وهو بذلك قد سبق الحالة الاجتماعية التى حدثت فى مصر خلال التسعينيات حين اعتزل عدد كبير من العاملين بالسينما لأسباب دينية مفادها أن السينما كافرة، ويجب عدم امتهانها وأنها مفسدة وأن الفنانات يجب أن يعدن إلى المنزل ويعشن فى عزلة، وما أعرفه عن عمارة أن أولاده قد عملوا بالإخراج منهم حسين الذى تزوج من الراقصة سهير ذكى.
وفى فيلم «حبيب الروح» فإن الرسالة الرئيسية هى إعادة سيدة البيت ليلى إلى بيتها وأن تبتعد تماما عن الغناء، فهى تحب زوجها وتخاف منه وتطيعه، ويقدم الفيلم حالات متوازية بتنفيذ هذه الفكرة فالموسيقار يوسف استمع إلى صوت المطربة وآمن بأن لها مستقبلا فى مجال الغناء، هذه المرأة ستجد نفسها بين مطرقة الفنان المشهور الذى يتعامل مع الموسيقى إنها لغة الروح ولا يرى أبدا أنها ضد المبادئ الإنسانية، أما ليلى فإنها متزوجة من ورشجى يمتلك ورشة هندسية لتصليح السيارات ولا يفهم فى أى شىء خارج هذا المجال، إذن فهو رجل مغلق على نفسه، له جانب واحد فى حياته لا يخرج عنه ونحن لا نعرف عمر الزيجة التى تربط وحيد بليلى، فهما بلا أبناء فبالتالى فإن وحيد العاشق الغيور يريد استعادة زوجته إلى بيته من أجل نفسه فقط، فهو لم يتكلم طيلة الفيلم عن حنينه إلى أبناء فإنه يفعل أى شىء جنونى لكى تكون زوجته له هو، وهو يستمع إلى الشيخ الذى ينصحه بعد الطلاق أن يعيد امرأته إليه بأى سبب فى حوار طويل مباشر جدا، وذلك باعتبار أن هناك مشهد «فالصو» فهم الزوج من خلاله حين اقتحم منزل الموسيقار أن ليلى ارتكبت الفحشاء، وأنا أتوقف عند مصطلح «فالصو» لأن هناك الكثير من المشاهد التى تنطبق عليها هذه الصفة فى الفيلم ومنها الزوج وحيد الجالس فى مقاعد المتفرجين وعيناه تلمعان من الغضب، ثم تمتد أصابعه داخل سترته وعندما يخرجها يكون ممسكا بالمنديل الذى مسح به عرقه، بعد أن أوحى لنا أنه سيخرج مسدسا ليفسد على زوجته الغناء فى الأوبرا، كما أن هناك مشهدا آخر «فالصو» حين يتتبع وحيد اثنين من المدعوين تحدثا أمامه بصوت مسموع بأنهما ابتكرا جهازا لتسيير السيارات بالماء، فتتبعهما إلى الجراج وذلك كمحاولة لإبعاده عن الصالة التى تغنى بها زوجته.
وهكذا امتلأ الفيلم بهذه الأفكار والمواقف المفتعلة من أجل أن تكون النهاية فى الفيلم هو خروج المطربة مع زوجها ليس لتحية الجماهير بل لتعود إلى منزلها إلى الأبد أى أنها فى ليلة مولدها كنجمة قررت الاعتزال، وإذا كان الفيلم حاول إقناعنا أن الزوجة عليها أن تعود إلى المنزل وتترك الفن فإنه وقف بقوة شديدة ضد أن تواجه الفنانة بقوة إرادتها بإقناع زوجها بأن ما تفعله هو من الأعمال السامية فى المجتمع، فالعلاقة بينهما هى أنها تخافه وأنه يشك فيها ويتعامل معها على أنها خائنة ولا منفذ بينهما فى التعامل فى الأمور الحتمية الاجتماعية.