لعبة بيتكوين.. وسياسات ترامب القادمة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 27 نوفمبر 2024 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
هل هى صدفة أن يبدأ سعر النقد الديجيتالى، بيتكوين، بالارتفاع لتصل قيمة الوحدة منه إلى مائة ألف دولار أمريكى، وذلك مع نجاح دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة وبدء عهد يمينى أمريكى مرشّح لأن يكون مليئا بالأهوال والأزمات؟ لنتذكر أن قيمة وحدة البيتكوين كانت عند بدء انطلاقة هذا النقد الجديد منذ عشرين سنة تقريبا ثلاثة عشر دولارا فقط، وأنها كانت منذ عشر سنوات تتراوح لتصل لحوالى الألف دولار فقط.
فهل نحن بصدد ما كتبه أستاذ جامعى أمريكى سنة 2016 فى كتيّبه المعنون: «نظام بيتكوين السياسى»، عندما ربط مجىء هذه العملة التكنولوجية الوهمية بصعود اليمين فى المجتمعات الغربية الرأسمالية؟ عند ذاك فسّر مجىء وصعود مختلف العملات الوهمية، وعلى الأخص البيتكوين، على أنه خطوة يمينية من أجل تحرير النقد العادى من أى تنظيم أو سيطرة من قبل الحكومات والمؤسسات البنكية التابعة لها. ذاك النقد الوهمى كان تابعا لعالم التكنولوجيا الذى بدوره كان يتغيّر بصور مذهلة، وبالتالى تصعب السيطرة عليه. وليس هنا مجال الدخول فى التفاصيل المعقدة لنظام البلوك شين (Blockchain) الديجتالى الذى ارتبط به نقد البيتكوين أشد الارتباط من أجل أن تبقى صورة النقد الجديد غامضة ولكن جذّابة فى نفس الوقت للمضاربة بها.
ما يهمنا طرحه هو إن كانت التلاعبات والمضاربات بالنقد الوهمى هذا ستكون مقدمة لما ينوى دونالد ترامب فعله من تغييرات فى العلاقات التجارية الدولية، ضدّا لقرارات مجموعة بريكس الأخيرة للخروج من سيطرة الدولار، وبالتالى أمريكا، على كل العلاقات النقدية العالمية. وهل أن دول البترول العربية الغنية ستدفع بالقوة والابتزاز نحو الدخول فى لعبة البيتكوين القادمة، وهل أن هذه الدول تهيئ نفسها مجتمعة لتتجنب مصائب ما قد تأتى به لعبة اليمين فى الغرب الرأسمالى؟
لكن مجىء دونالد ترامب، بالنسبة لنا كعرب، لن تقتصر مفاجآته على ساحة النقد والتجارة، بل ستمتد إلى ساحات السياسة فى الوطن العربى كله، وخصوصا بالنسبة للموضوع الفلسطينى. فالتعيينات الجديدة فى الحكومة الأمريكية الترامبية أصبحت تفاجئنا يوميا بمواقف وأفكار وأهداف ترمى إلى مزيد من السيطرة الأمريكية، وبالتالى الصهيونية، على مصائر العرب، كل العرب.
فى هذه اللحظة، لحظة حكم الحزب الديمقراطى الأمريكى وقائده، يتواجد الوجود والنفوذ والهيمنة الأمريكية بقوة فى ما لا يقل عن ثلثى الوطن العربى. لكن ذلك الوجود والنفوذ والتأثير سيتضاعف عند مجىء شخصية نرجسية، غريبة الأطوار، غير متزنة، وغير مبالية بالنتائج، كما هو الحال بالنسبة لشخصية دونالد ترامب التى كُتبت عشرات الكتب فى وصفها وتحليلها، وأجمعت كلها على أننا أمام شخصية بتلك الصفات التى ذكرنا.
الآن نرى أمام أعيننا أن أمريكا تهيمن على الأوضاع المتردية فى غالبية الدول العربية. فى كل تلك البقاع لها الكلمة الفصل فى تخفيف الأزمات أو فى تفجيرها أكثر وأشد عندما يخدم مصالحها.
لكن تلك الشخصية الأمريكية المهزوزة لن تكتفى بذلك، إنها تتكلم عن الدخول فى ساحات الدين والتعليم والثقافة برفقة الكيان الصهيونى لتخلق ما تسميه الشرق الأوسط الجديد، ويتباهى نتنياهو المجرم بقرب تحققه فى كل أرض العرب.
إذن، فحكام بلدان العرب وبلدان العالم الإسلامى أيضا سيكونون مواجهين لرياح عاصفة، على الأقل طيلة الأربع سنوات القادمة، فهل سيتحركون لإعداد بلدانهم وشعوبهم لمواجهة ذلك الطوفان؟، أم أننا، وكالعادة مع الأسف، سننتظر حتى تنفجر الأمور فى وجوهنا ويصل القائد الأمريكى إلى أعلى مراحل أحلامه النرجسية فى تعامله مع كل قضايانا الوطنية والقومية والإسلامية؟
لا توجد أهوال فى الدنيا لا يمكن مواجهتها ودحرها إن وجدت الإرادة السياسية المشتركة، وقامت هى الأخرى بتجييش الشعوب، وعلى الأخص شابات وشباب تلك الشعوب.