هل نمتلك فعلًا القدرة على التفكير؟
العالم يفكر
آخر تحديث:
الخميس 27 ديسمبر 2018 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للباحث «بشير الذكوانى» يتناول فيه مشكلة التفكير، والحاجة إلى التخلص من الأوهام التى سيطرت على العقل العربى وكيفية التحرر من سيطرة هذه الأوهام.
يتساءل الكاتب قائلا: هل لامَسَت الثورات العربية عقولنا؟ لقد رفعت ثورة الجِياع للخبز وللكرامة، شعارات «شغل»، «حرية»، «كرامة وطنية». ربما اشتعلت الثورات ولم يكُن الفكر عمادها أو حَجر الأساس فيها. فهل ثارت عقولنا أم أن بطوننا هى التى صرخت تنادى الحرية؟ قد يدعونا هذا إلى التساؤل عما إذا لم تكُن تحكُم ثوراتُنا ــ من «الربيع العربى» إلى الأحداث التى تقع الآن ــ العقلَ أو الأهواء؟ فهل خَرجنا فعلا من حالة الوصاية والقصور العقلى؟ هل ندرِّب ناشِئتنا اليوم على التفكير؟ هل نحن قادرون على صناعة عقول تَبنى المستقبل؟
إنه لمَن المرعب فعلا أن يُقدِم أستاذُ فيزياءٍ على تفجير نفسه بين حشدٍ من المصلين! بل إنه لمِن المريع والمُفزع أن تتحول عقول خريجينا إلى قنابل موقوتة! ماذا تُنشئ لنا المدارس والجامعات؟ لماذا تعجز أنظمتنا التربوية عن حماية العقول؟ ولماذا يفتقر طلبة الآداب إلى الآداب؟ هذا كله يرسمه لنا الشارع اليوم بعد مرور سبع سنوات على الثورة، تحولنا إلى مكبٍ للرداءة والفوضى واللغو السياسى وتدنٍ للذوق العام.
يعلمنا التاريخ أن كل الثورات التى تحدث فى العالَم إنما هى ثورات فى التفكير تبتغى تغيير أنموذجٍ بآخر. أما نحن فلسنا نعرف بعد ما معنى أن نفكر؛ هذه اللحظة التى انبثقت مع اليونان قديما متخذة من القول السقراطى الشهير «اعرف نفسك بنفسك» مبدأ لها، والتى تقوم على مَعرفة النَفس من الداخل وعلى استخراج الحقائق الباطنية.
نحن مازلنا إلى حد الآن تحت قبة التفكير الغربى ووطأة «الإمبراطور الأمريكى» والهائل الصينى اليابانى؛ إذ نعانى من عقم فى الهوية سببه الوصاية أو السلطة. فنحن لم نخرج بعد من هذا القصور، ولكن ماذا نعنى بالقصور؟ يرى كانط أن: «القصور هو إعاقة عدم استعمال المرء لعقله من دون قيادة شخص آخر». فالأنظمة التعليمية اليوم لا تساعدنا على الخروج من هذا القصور الذى نعانيه لأننا أصبحنا كائنات لا تصنع المعرفة ولا تُسهِم فى الانتماء إلى العقل البشرى. فكل ما نجيد فعله هو أن «نجتر»، وجُل ما نفعله هو التكرار لا التجديد. إن الخروج من «القوقعة» والسعى إلى تحرير عقولنا لهو بالأمر العسير، إذ إن العادة تقتل فينا رغبة الانعتاق، وبما أن القصور أصبح جزءا أساسيا من بنيتنا النفسية والعقلية، فمن الصعب على كل فرد ــ بحسب كانط ــ « الخروج من قصوره الذى أصبح تقريبا جزءا من طبيعته».
إنه لمِن العسير أن ننعتق من دون التحلى بالشجاعة اللازمة لتجاوز أنفسنا وتمزيق هذا النسيج المُحكم من الوهم الذى يطوِّق عقولنا، هنا تكمن عظمة الإنسان فى قدرته على تجاوز ذاته والبدء من جديد.
***
إن معرفة الطريقة وتحديد الغايات ورسْم خارطة عمل تقود الشعوب إلى التحرر من جهلها، تجعل منها أُمما تنتمى إلى العقل البشرى بصفة كونية حتى تتمكن من السير بدروبٍ آمنة. والغاية الأعلى للشعوب العربية تكمن فى معرفتها الطريقة الأنجع للتخلص من أوهامها وأساطيرها.
أولا: أن نبدأ بالـ«أنا» عوضا عن الـ«نحن».
ففى «نحن» ــ بعض الأحيان ــ تهرب من تحمل المسئولية، علينا أولا أن نتعلم كيف نُقيم كينونتنا، كيف نقول الـ«أنا». عندها سيبدأ أفراد المجتمع بمعرفة نقائصه وتجاوزها، وبتجاوزها يجرى إصلاح المجتمع.
ثانيا: أن نمتلك إرادة الاقتدار
لأن الأشياء لا تتغير من تلقاء نفسها بل تحتاج إلى محرِك دافع وإيمان عميق بالتغيير، وهو ما يُترجم فى مُصطلح «إرادة الاقتدار» أو إرادة القوة.
ثالثا: امتلاك القدرة على الاختيار
إن القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ وخلق تصور بديل جديد هو الذى يُخرجنا من مأزق الثنائيتَين. فكما يقول نعوم تشومسكى: «إذا تصرفنا وكأن لا مكان للتغيير إلى الأفضل، سنَضمن عدم حدوث أى تغير إلى الأفضل. الخيار خيارنا، والخيار هو خيارك».
رابعا: أن نفعل
إذا أردنا الإصلاح فعلينا أن نُصلح؛ إذا أردنا التفكير فعلينا أن نفكر؛ إذا أردنا الخروج فعلينا أن نخرج. يجب علينا الكف عن الكلام والتوجه نحو الفعل مُباشرة.
إن تصديق أوهام ابتدعناها لهو من أخطر ما قد يعيق تحرُر العقول. فهو يأسرنا فى حلقة مفرغة نصنعها بأنفسنا ولا نعرف منها خلاصا. من الجيد إعمال عقولنا شرط أن نُحسن استعمالها.
وختاما يتحدث الكاتب عن أنه لا بد لنا أن نهتم بإصلاح عقولنا وتهذيب أذواقنا. فالإرهاب يخترقنا من الداخل والخارج. إن هذه المَجازر التى تقام هى جرائم فى حق الإنسانية ونحن مسئولون عنها؛ إذ إننا سمحنا للعصبية أن تتحكم فى عقولٍ عاجزة هى الأخرى عن التفكير والإيمان بالاختلاف. ثم إن الاستنكار والنبذ لن يخلع عن أمتنا ثَوب الحداد الأسود؛ بل لا بد من تدريب العقول على قيَم الحرية الذاتية وقدرتها على الخلق والإبداع. والسؤال يتمثل إذن فى كيفية إنتاج عقولٍ شابة قادرة على صناعة المستقبل. ولعل ذلك لن يكون فى الغد القريب، لكن الأمل والإيمان هُما أساس أى إنجاز.
النص الأصلى من هنا