حان الوقت للانضمام للمحكمة الجنائية الدولية

إبراهيم يسري
إبراهيم يسري

آخر تحديث: الإثنين 28 يناير 2013 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

ببصيرته السياسية ودبلوماسيته الرصينة وبخبرته القانونية التى اوصلته لمنصب القاضى بمحكمة العدل الدولية القانونية، وفى الأيام القليلة التى قضاها فى منصب وزير خارجية مصر شكل الدكتور نبيل العربى فى يناير 2012 لجنة قومية لدراسة واعداد انضمام مصر الى النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية، ومن واجبى فى البداية أن اشيد بالعمل المتميز للجنة التى ضمت كبار القانونيين فى مصر والتى شرفت بعضويتها حيث تناولت الموضوعات المطروحة بكثير من التعمق ومواكبة العصر، و تعاونت فيها اجهزة الدولة المختلفة و تبلورت توصياتها فى محضر اجتماعها المؤرخ 1 يناير 2012 الذى توصى فيه بالانضمام لنظام روما الأساسى.

 

 

فقد أزالت اللجنة الموقرة أى لبس فى تعارض نصوص الاتفاقية مع الدستور المصرى ومع نظامنا القانونى بوجه عام، وقد لاحظت بكثير من التقديرما توافقت عليه اللجنة من أنه «لا بد من تصديق مصر على النظام الاساسى للمحكمة لانه لا يمكن لاى دولة فى القرن الـ 21 ان تتخاذل فى الانضمام .....».

 

 

كما اثنى على التفات اللجنة عما أثير من تفسيرات حول عدم الملائمة الدستورية والسياسية التى قد تستوجب التريث فى التصديق وهو ما لم يلق قبولا عاما فى اللجنة.

 

•••

 

وأبدأ فأقول أنه مما يضاف الى سوءات حكم مبارك هو انحيازه للدول الشمولية التى تخشى الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية خشية تعرضه هو وكبار المسئولين فى نظامه العسكرى والأمنى للملاحقة والمساءلة امام المحكمة فيما يرتكب تحت حكمه من جرائم ضد الانسانية، ومن عجب انه لم ينضم لنظام المحكمة الا دولتان عربيتان هما جيبوتى والاردن فقط، ولكن مصر العريقة المناصرة لارساء قواعد القانون الدولى عبر تاريخها بقيت للأسف بعيدة عن هذا الانجاز الدولى الكبير.

 

ويرجع هذا الى ما كان يرتكبه النظام يوميا ومنهجيا من جرائم التعذيب وغيرها مما يحط من كرامة البشر وينتهك حقوق الانسان، بل ان نظام مبارك قد شارك بهمة واصرار فى جريمة حصار غزة الذى فرضته اسرائيل والذى اعتبرته لجنة الامم المتحدة لتقصى الحقائق جريمة ضد الانسانية، وقد طالبنا رسميا فى مرافعتنا امام محكمة القضاء الإدارى بمحاكمة مبارك والعادلى عن هذه الجرائم بموجب ما يسمى بالاختصاص الشامل الذى اوكله القانون الدولى فى معاهدة جنيف الرابعة لكل الدول.

 

•••

 

ويتشكل الأساس القانونى لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من السوابق التى استقرت فى مبادئ القانون الدولى والتى أصبحت محسومة ولا مجال لأى خلاف حولها . فواقع الأمر أن التطورات المتلاحقة وقرارات الأمم المتحدة والتطبيقات التى تمت خلال نصف قرن فى مجال القانون الدولى قد أنشأت قاعدة دولية عرفية واجبة النفاذ وهى تجريم مجموعة من الأفعال التى تقع تحت عنوان الجرائم ضد الإنسانية وهى التى أوردتها المادة 5 من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية التى وقعت اتفاقية إنشائها فى روما بتاريخ 17/7/1998 إلى جانب الجرائم الأخرى التى تدخل فى اختصاص المحكمة وهى جرائم إبادة الجنس وجرائم الحرب وجرائم العدوان.

 

ومن المتفق عليه أن هناك رأيا سائدا فى فقه القانون الدولى بأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تخضع لما يسمى اختصاص دولى عام Universal Jurisdiction وأن هذا المبدأ تم تطبيقه فى محاكمات نورومبورج واعتبرها من القواعد الأساسية Fundamental Norms فى مفهوم اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.

 

وتعتبر جرائم التعذيب التى نحن بصددها من جرائم الحرب وفقا لنصوص اتفاقية جنيف الرابعة (و قبلها قواعد لاهاى 1907) كذلك تجدر الإشارة إلى أن التعذيب محرم حتى فى حالة السلم وعندما يقوم به بعض المسئولين داخل الدولة، كذلك استقر مبدأ عدم تقادم هذه الجرائم وذلك بموجب اتفاقية الأمم المتحدة ضد التعذيب A/39/ 51/(1984) وبمقتضى نصوص النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية. وقد جرمته دساتير بعض الدول ومنها مصر.

 

وسرد الفقه تأييدا لهذا الرأى ما صدر عن محكمة العدل الدولية I.C.J 1972 Report pov 32 من أن التحريم الذى قرره القانون الدولى لهذه الأفعال يعتبر التزاما فى مواجهة الجميع Irga Omnes وأن من واجب جميع الدول احترامه ولذلك فإنها لا تستطيع أن تتهرب من التزامها بالملاحقة الجنائية للجرائم ضد الإنسانية وتوقيع العقوبات على مرتكبيها. 

 

•••

 

وتأكيدا لنفس المبادئ وبرهانا لاستقرارها كمبادئ عاملة فى القانون الدولى العام، حصر النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية الموقع فى روما بتاريخ 17/7/1998 الجرائم الدولية فيما يلي( المادة 5):

 

1- جريمة إبادة الجــــنسgenocide  

 

2- الجرائم ضد الإنسانية

 

3- جرائم الحـــــــــــرب

 

4- جريمة العــــــــدوان

 

بأنها تتضمن القتل والإعدام الجماعى وفرض العبودية ونقل السكان قهرا وحبس الأفراد أو التقييد الشديد من حريتهم والتعذيب وغيرها .

 

والذى يمكن الخروج به من ذلك كله، ومن المتفق عليه قانونا وفقها وقضاء على المستوى الداخلى والدولى ما يلى:

 

أن الجريمة الدولية تقوم عندما يكون الفعل وفقا لمبدأ nullum crimen , nulla poena , sine lege أى لا جريمة ولا عقوبة بدون نص. وقد قنن نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية بنصوصه جرائم الحرب والجرائم الإنسانية التى اصبحت من قبيل القواعد الملزمة التى لا يجوز إهدارها  Jus Gogens وأن لأى دولة ملاحقة هذه الجرائم أيا كان مكان ارتكابها وأن من واجب جميع الدول أن تحاكم أو توافق على تسليم مرتكبى هذه الجرائم وأنه ليس هناك حصانة لرؤساء الدول وكبار المسئولين فيها من هذه الجرائم بسبب المنصب، وأن رؤساء الدول وغيرهم من كبار المسئولين مسئولون مسئولية فردية Individual Criminal Responsibility عن الجرائم التى ترتكب فى عهدهم.

 

وعليه فقد تأكد قيام المبادئ القانونية التالية والتى يجب أن تؤخذ فى الاعتبار:

 

1 ــ أن الجريمة الدولية قد استقرت وأصبحت أمرا مفروغا منه فى مجال القانون الدولى.

 

2 ــ أن الجرائم ضد الإنسانية تشمل التعذيب.

 

3 ــ أن كبار رجال الدولة مسئولون مسئولية جنائية مفترضة عن الجرائم ضد الإنسانية التى تقع فى بلادهم أثناء تقلدهم 4 ــ أن الحصانة الدولية والداخلية لا تمنع من ملاحقة هؤلاء المسئولين عن تلك الجرائم.

 

5 ــ أن هذه الجرائم لا تنقضى بالتقادم.

 

6 ــ أنه يمكن لمحاكم أى دولة أن تحاكم أى مسئول فى دولة أخرى عن الجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبت فى عهده وفى بلده.

 

•••

 

محصلة ما تقدم هو ان اعتبارات المصلحة المصرية تستوجب انضمامنا اتساقا مع المبادئ المنصوص عليها فى دستورنا الجديد، واستعادة لدور مصر الهام والتقليدى وهى تستطيع بعد الثورة ان تقاوم اى ضغوط امريكية كما قد يشجع انضمامنا عدد من الدول العربية وربما الاسلامية ومن هنا قد يكون انضمام مصر فاتحة لانضمام عد من الدول العربية والاسلامية وترسيخ النظام الجنائى الدولى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved