2023 تعديل المسار.. وانتهاء الكوابيس
محمد مكى
آخر تحديث:
السبت 28 يناير 2023 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
لا شىء سيمنع تزايد المصاعب الاقتصادية خلال العام الجديد 2023؛ فهناك حرب متوقع أن تمتد وتشمل أجزاء أخرى من العالم، وتأثير الوباء باقٍ والأزمات تختفى ولكن سرعان ما تعود بأسعار جنونية تشعل البحث عن الركود التضخمى وتباطؤ النمو الاقتصادى والتضخم المرتفع. ومن يحلم أن تلك الكوابيس قد تنتهى قريبا فعليه أن يقرأ عن الحقبة التالية للأوبئة والحروب وما شهده الاقتصاد العالمى من مشاهد تتطابق مع واقع مؤلم، جعلت أكبر مؤسسة مالية فى العالم «صندوق النقد» تحذر بشأن وضعية الاقتصاد هذا العام لأنه سيشهد تباطؤا فى النمو مجددا، دون استبعاد حدوث تحول دراماتيكى فى التوقعات قد لا يكون إلى الأفضل.
فقد خفض صندوق النقد الدولى توقعاته لنمو الاقتصاد العالمى لعام 2023 إلى 2.7% من 3.2% فى وقت سابق والتى كانت مماثلة لتوقعاته لعام 2022، وهو ما يعكس استمرار التداعيات الناجمة عن الحرب فى أوكرانيا بالإضافة إلى ضغوط التضخم ومعدلات الفائدة المرتفعة التى وضعتها البنوك المركزية.
نحن وإن كنا بدأنا العام الجديد بقرارات ترشيد وتعديل مسار بهدف الحفاظ على العملة وتخفيض الإنفاق من قبل الوزارات والجهات الاقتصادية، باستثناء الحيوية منها، إلى جانب تأجيل المشروعات القومية التى لها مكون دولارى، وتحرك وسعى من قبل الدولة للحد من أزمة نقص العملة الأجنبية ــ فإن جوانب كثيرة من تداعيات الأزمة موجودة فقد وصل التضخم إلى أعلى مستوى له فى خمس سنوات فى نوفمبر الماضى على خلفية تخفيض قيمة الجنيه، وأصبح من المتوقع استمرار التسارع، إذ يتواصل تأثير ضعف العملة على الاقتصاد مما يجعل رحلة صعود التضخم مستمرة لعدة أشهر.
لكن يجب ألا نغفل أن هناك تعديلات فى مسارات كان الحديث عنها من قبل شبه مستحيل، مع الاعتراف بأن تكلفتها باهظة واشتعلت تكلفة الديون التى فاقت 155مليار دولار مع أعباء أخرى.
هناك تحرك إيجابى فى تصحيح سوق العملة وهبوط العملة المحلية بأكثر من 16% فى يوم واحد الشهر الأول من العام الحالى ليسجل الدولار ذروة جديدة بلغت 32.20 رسميا قبل التراجع، وهو ما يجعل الحديث مستمرا عن الجنيه المصرى خلال أشهر العام ويجعل مهمة صانع القرار صعبة، خاصة أنها مرتبطة بعوامل خارجية كبيرة. مع التأكيد على أن تحرك سعر العملة جعل مؤسسات أجنبية تتحرك لبناء مراكز جديدة فى أسواق المال المصرية سواء البورصة أو أدوات الدين المحلى.
حالتنا فى مصر ليست فريدة فهناك قواعد يجب ألا نتراجع عنها حتى لا نعود لتكرار نفس الدواء المر الذى تجرعه عموم المصريين أكثر من مرة خلال الأعوام المنصرمة، منها إقامة سوق صحية للعملات الأجنبية تعيد الروح لأنشطة التصنيع والاستيراد مع السعى للحصول على تدفقات كبيرة من الاستثمار الأجنبى المباشر وزيادة هائلة فى الصادرات (من الطاقة ومن السلع ذات القيمة المضافة أيضا). على ألا يقتصر الاستثمار المباشر على شراء أصول قائمة بالفعل دون إضافة جديدة للاقتصاد، فسرعان ما تتبدد حصيلة البيع ونعود لنفس المأزق. فالمكاسب السريعة من خلال برنامج بيع الأصول الحكومية ليست العلاج الناجع وحده.
كما أن استراتيجية الاستثمار عليها أن تراعى قبل الإنفاق الهائل وسرعة التنفيذ مردوده ومناسبته لوضعية اقتصاد تلتهم سداد فوائد الدين معظمه، وأن تنعكس المشاريع على الاقتصاد بالإيجاب، دون تصدير أن المشاكل ناجمة عن الأزمة العالمية وحدها والتى بلاشك جعلتها تتزايد، فالمواطن لن يهتم بارتفاع التضخم فى بريطانيا التى فيها فوضى المتاجر، وباريس التى أطفأت أنوار برج إيفل، وتقليص ساعات استهلاك الكهرباء فى ألمانيا فتلك الاقتصاديات المتطورة تلقت ضربة بسبب الحرب، لكنها تعمل على التعافى فقد كشفت آخر تقارير عن تراجع التضخم أقل من المتوقع فى الاقتصاديات الأوروبية فهناك تراجع فى أسعار الطاقة، ورغم أنها لا تزال مرتفعة تاريخيا لكنها أقل كثيرا من توقعات العام الماضى. استمرار الدولة فى تصحيح المسار جنبا إلى جنب مع الداعمين الخارجيين يساعد فى الإنقاذ والبعد عما يحدث فى دول مجاورة، فمصر من حقها أن تكون أفضل بكثير مما هى عليه، بفضل ما تتمتع به من موارد ومكانة وتاريخ لدولة عريقة لا يقلل منه عدة سنوات مؤلمة هى فى عمر التاريخ لا تذكر.