ماذا يحدث في الصين؟
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 28 يناير 2023 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
فى مقال الأسبوع الماضى، تناولت بالشرح التغييرات التى طرأت فى السياسة الدفاعية وسياسة الأمن القومى اليابانية وعن ردة فعل دول الجوار فى شرق آسيا بالإضافة إلى روسيا والولايات المتحدة. فى مقال هذا الأسبوع والأسبوع القادم أنتقل من اليابان إلى الصين لتقديم تحليل مختصر لأهم التطورات الداخلية والخارجية فى هذا العملاق الآسيوى!
• • •
فى أكتوبر من العام الماضى تم عقد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى الصينى، وهو الحدث الأهم فى البلاد والذى يتم عقده كل خمس سنوات لمراجعة السياسات الصينية الداخلية والخارجية ولإعادة صياغة أو تأكيد الأيديولوجية التى تسير عليها البلاد، كما أنه عادة يكون فرصة للمراقبين والمحللين لمتابعة نمط القيادة الصينية وطبيعة العلاقات بين زعيم البلاد (السكرتير العام للحزب) وأعضاء لجنة السياسات لتبين طبيعة السياسات المستقبلية.
فى المؤتمر التاسع عشر (٢٠١٧)، طرأ تغيير جذرى فى نمط القيادة الصينية، وذلك عندما سمح الحزب بتعديلات دستورية تنهى وضع حد لعدد مرات انتخاب رئيس الجمهورية حيث كانت أقصى مدة من الممكن للرئيس الصينى أن يبقى فيها حاكما هى ١٠ سنوات بواقع فترتين كل منهما خمس سنوات! ورغم أن منصب رئيس الجمهورية ليس الأهم فى الصين كون أن منصب السكرتير العام هو الأكثر سلطة ونفوذا، إلا أنه ومنذ عام ١٩٩٣ دأب سكرتير عام الحزب أن يجمع بين المنصبين معا!
اتُخذ القرار ليسمح للقائد الصينى شى جين بنج بالبقاء فى السلطة لأكثر من ١٠ سنوات، وهو ما كان موضع الكثير من التعليقات للمراقبين عن تعاظم سلطة شى وعن احتمالية لنمط قيادة مماثل للزعيم الأهم فى تاريخ البلاد (ماو تسى تونج).
ونظرا لأن السنوات الخمس لفترة الحكم الثانية (٢٠١٧ــ٢٠٢٢) للزعيم شى قد شهدت الكثير من التطورات والأحداث الداخلية والخارجية وفى مقدمتها فيروس كورونا الذى بدأ من الصين بالإضافة إلى الغزو الروسى لأوكرانيا، فقد حرص المراقبون للشأن الصينى على متابعة المؤتمر العشرين للحزب لفهم مستقبل القيادة ومن ثم مستقبل السياسات الداخلية والخارجية لأحد أهم القوى العظمى الدولية!
• • •
أكدت جلسات وقرارات وخطب المؤتمر سعى شى لتعظيم سلطاته حيث تم تجديد فترة حكمه لمرة ثالثة (٢٠٢٢ــ٢٠٢٧)، كما تم اتخاذ العديد من القرارات لاستبدال أعضاء لجنة السياسات بآخرين يدينون بالولاء التام لشى، ورغم الحديث عن وجود استياء عام داخل الحزب من نمط قيادة شى وتعاظم صلاحياته، إلا أن هذا الاستياء لم يمنعه من تنفيذ رغبته بالسيطرة التامة غير المشروطة على الحزب والبلاد، كما قام شى بإنشاء العديد من المؤسسات الأمنية والمعلوماتية والإعلامية لتأكيد سلطته وهيمنته فى بلد يقترب عدد سكانه من مليار ونصف المليار نسمة ومن ثم وكما يقول المراقبون هى دولة لا يمكن التسامح فيها مع أخطاء القيادة لكلفتها العالية!
أكد المؤتمر التراجع عن نهج الزعيم الصينى الأسبق (دينج تشاو بنج) وهو من أنهى عمليا السياسة الماوية من خلال وضع قيود على سلطات الزعامة الفردية داخل الحزب، كما أنه قام بتقديم عدة سياسات اقتصادية غيرت تدريجيا من النهج الشيوعى اقتصاديا عن طريق تقديم مساحات أكبر للقطاع الخاص وهو ما حول الصين من دولة شيوعية إلى دولة شبه رأسمالية مهيمنة على اقتصاديات السوق من خلال الشراكة والإدارة والتحكم فى سياسات التوزيع!
أكد شى فى خطابه أمام المؤتمر العشرين للحزب على ما سبق وأكده خلال السنوات الماضية. وتحديدا على ثلاث سياسات:
السياسة الأولى: هى بناء استراتيجية أمن قومى تقوم على الإدارة المركزية وعدم التسامح مع أى قوى تهدد وحدة وأمن الأراضى الصينية.
السياسة الثانية: التأكيد على اتباع سياسة صارمة تدعى سياسة «صفر كوفيد الدينامية» وهى سياسة تتخذ عدة إجراءات صارمة لمكافحة انتشار الفيروس بما فيها الإغلاق العام وحظر التجوال وفرض إقامات جبرية وإرغام مرضى كوفيد على التعافى فى المستشفيات لا المنازل مع وضع قيود صارمة على حركة السفر من وإلى البلاد.
أما السياسة الثالثة فتتمثل فيما أسماه شى «سياسة النفع العام» أو «سياسة الرفاهية العامة» وهى سياسة تسعى إلى إعادة توزيع الموارد ووضع حدود للثروة من خلال حزمة من القوانين الاقتصادية المزمع إصدارها فى هذا الصدد، كما تسعى السياسة إلى إعادة هيمنة القطاع العام على الأنشطة الاقتصادية سواء من حيث سيطرة الدولة على الملكية والإنتاج أو حتى على عملية التوزيع!
• • •
أثارت تلك السياسات التى أعلن عنها وأكدها الزعيم الصينى فى مؤتمر الحزب المشار إليه الكثير من الارتباك سواء داخليا أو خارجيا!
فداخليا، أثار الإصرار على سياسة كوفيد الصفرية الكثير من التساؤلات حتى داخل الحزب نفسه بخصوص مدى تأثير هذه السياسة على النمو الاقتصادى خاصة فى ظل ظهور مؤشرات على تباطؤ الإنتاج الداخلى وضعف المنافسة فى سوق التجارة العالمية، كما أنها أظهرت بعض الغضب والتململ الشعبى من صرامة الإجراءات الاحترازية.
أما خارجيا، فقد عبر المراقبون عن قلقهم بخصوص مستقبل العلاقات اليابانية الصينية، وكذلك حول مدى عسكرة السياسة الخارجية الصينية بخصوص بعض الخصوم ولاسيما تايوان بالإضافة إلى الولايات المتحدة! خاصة وأن شى قد أعلن صراحة فى مؤتمر الحزب عن التراجع عن سياسة الصبر الخارجى والاحتواء، واتباع سياسة أكثر غلظة لحماية الأمن القومى الصينى!
كذلك فقد حدث ارتباك فى القطاع الخاص الصينى سواء للمستثمرين الداخليين أو الخارجيين بخصوص مستقبل أنشطة القطاع الخاص وحرية رأس المال! فى خضم ذلك كله اندلعت بعض المظاهرات الصينية فى عدة مدن اعتراضا على هذه السياسات كما حاصر المتظاهرون بعض البعثات الدبلوماسية الصينية للاعتراض على سياسات شى الداخلية والخارجية.
لكن بعد انتهاء أعمال المؤتمر، فإن عدة تغييرات حدثت فى الداخل الصينى جعلت شى وبشكل مفاجئ يغير من سياساته الثلاثة، صحيح لا نعلم بعد إن كانت تغييرات تكتيكية مؤقتة على الأجل القصير وربما المتوسط، أم إنها تغييرات حقيقية فى توجه القيادة الصينية، ولكن فى كلتا الحالتين فإن هذه التغييرات المفاجئة فى سياسة لم يمر على اعتمادها سوى ثلاثة أشهر مؤشر قوى على عدم استقرار الأوضاع هناك، لكن ما هى هذه التغييرات التى أجبرت القيادة الصينية على التراجع؟
منذ أكتوبر (وقت انعقاد المؤتمر) وحتى اللحظة، وقع حدث هام أثر على الطريقة التى يفكر بها الزعيم الصينى، وقد لا نكون مبالغين إن قلنا إن هذا الحدث أربكه! تمثل ذلك فى اندلاع مظاهرات ضد سياسة «صفر كوفيد» المشار إليها أعلاه، ورغم أنها بدأت فى مدينة واحدة (شينجيانج) حيث لم يتمكن رجال الحريق من إنقاذ أحد المبانى التى اندلعت فيها النيران بسبب الحواجز التى وضعتها الشرطة من أجل فرض الإجراءات الاحترازية مما أوقع عددا من الوفيات، إلا أن المظاهرات سرعان ما انتشرت فى عدة مدن صينية فى شرق وغرب البلاد ضد سياسة كوفيد وضد الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، أجبرت شى على التراجع!