سـنة ثانية ثـورة

أمينة البنداري
أمينة البنداري

آخر تحديث: الأربعاء 29 فبراير 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فى بداية العام الثانى من الثورة المصرية يحاول الكثيرون صياغة كشف حساب للإنجازات والإخفاقات، ولكن حرى بنا عند مراجعة الذات الجمعية أن نتوقف ليس فقط عند النتائج النهائية ولكن أيضا عند تطور المناخ السياسى والإرادة الجمعية للمصريين وما أنتجته من خطاب ومطالب وآليات.

 

من الملاحظ أننا بعد انقضاء العام الأول من الثورة ما زلنا نقوم بحشد أنفسنا حول قضايا، يصاغ حولها الخطاب بطريقة الأبيض والأسود: بداية من نعم/ لا للتعديلات الدستورية وحتى دولة دينية/ دولة مدنية، نعم/ لا لوثيقة السلمى، الانتخابات أولا/ الدستور أولا، الدستور أولا/ الرئيس أولا، ووصولا إلى مع/ ضد استمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إدارة شئون البلاد. هذه الانقسامات تبسط وتسطح القضايا السياسة والمعضلات والتحديات التى تواجهنا بحيث تجبر الفرد على اختيار جانب واحد والتحيز له ولذلك فانه من الاسهل نسبيا حشد الجماهير حولها، خاصة تلك منها التى تتعلق بأسئلة الهوية.

 

●●●

 

ولكن أما آن لنا الآن أن نطور خطابنا السياسى والأهداف التى نسعى إلى تحقيقها، بتحديد جدول وترتيب زمنى لأهداف نسعى لتحقيقها وخلقها على أرض الواقع، وليس مجرد «مطالب» نرميها صوب القوى الحاكمة؟

 

فكما تمكنت القوى السياسية من تطوير آلياتها على مدار العام (من مظاهرات، ومليونيات، واعتصامات، ومسيرات، وإضرابات، وقواعد بيانات الكترونية مثل امسك فلول، وعروض علنية مثل كاذبون، ومبادرات شعبية مثل سلاسل الثورة)، علينا أيضا أن نطور الأهداف التى نرمى إلى تحقيقها عن طريق تلك الآليات الخلاقة. فبعد صياغة الأهداف بالأشكال البسيطة نسبيا مما سلف (بداية من ارحل وحتى يسقط يسقط حكم العسكر) علينا أن نفكر فى تفاصيل وكيفية بناء الدولة المصرية التى نحلم بها، ويمكننا أن نتوافق عليها، ويمكنها أن تحقق قدرا لا بأس به من طموحاتنا.

 

الثورة المضادة، كما الشيطان، تكمن فى بعض التفاصيل التى توقفنا عندها وتستفيد منها — سواء عن قصد أو بدونه. الانشغال بقضايا مثل محاكمة الرئيس السابق، أو مكان احتجازه، أو تعويضات المصابين والشهداء أو حتى القصاص للشهداء، كل ذلك يخدم الثورة المضادة لأنه فى الوقت الذى يحشد جماهير غفيرة فإنه لا يقوم بتفكيك أى من آليات القمع أو الفساد، وبدون ذلك، وكما اتضح لنا من المحاكمات التى تمت حتى الآن، لا يمكن بناء مؤسسات وهياكل جديدة ـــــ ولا يمكن تفادى ارتكاب المزيد من جرائم القمع والفساد. فى حين ان صياغة قوانين جديدة وإصلاح مؤسسات الدولة المعنية بتطبيقها بل وتشكيل مؤسسات تنفيذية ورقابية جديدة هو ما قد يمكننا من تحقيق العدالة آجلا، لأنه من البديهى أن العدالة لن تتحقق بمؤسسات مقوضة وفاسدة.

 

بعبارة أخرى: الشعب لم يقم بثورة لكى يقتص للشهداء. الشعب قام بثورة من أجل الحرية والرفاه والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ودفع الشهداء والمصابون أثمانا غالية من حياتهم لتحقيق هذه الأهداف. علينا ألا نخلط الأمور ونتوه فى تفاصيل الشيطان. حيوات وتضحيات الشهداء والمصابين ستكون قد ذهبت هباء عندما لا يتغير النظام الحاكم. والنظام لن يتغير بتغيير رأسه (كما علمتنا التجربة). الكيانات التى ستحل مكان الكيانات القديمة ستأخذ وقتا طويلا لكى تتبلور، لذلك يجب علينا ألا نضيع مزيدا من الوقت، ويجب علينا ابتكار مؤسسات جديدة وآليات جديدة لتفعيلها والوصول اليها. فالتحول الديمقراطى ليس هدفا يمكن تحقيقه بحشد الملايين حول سؤال نعم أو لا، ولن يتحقق بالآليات الجماهيرية المعتادة فقط.

 

البعض يعيب على الإخوان المسلمين البرجماتية التى تغلب على التنظيم، ولكن ربما يكون على باقى القوى الثورية أن تتعلم من الجماعة التى ثابرت زهاء الثمانين عاما، تتعلم أن تركز على الهدف حتى تصل اليه، أو كما يقول الأمريكيون (مبشرو البرجماتية): أن تثبت أعينها على الكرة. يمكن للقوى الثورية أن تستغل زخم الثورة ــ الذى وإن خف أحيانا ما زال يمكن إشعاله كما ثبت فى يناير الماضى ــ من أجل الدفع بتحقيق أهداف متطورة وأكثر تعقيدا. فالجماهير التى وقفت بالملايين فى طوابير الانتخابات (ومع التسليم بكون الغرامة حافزا سلبيا للكثيرين) يمكن حشد جزء كبير منها لدفع الهيئات المنتخبة لتبنى قرارات ثورية فى صميم عملية التحول الديمقراطى. يمكن الدفع مثلا لتبنى قانون لإعادة هيكلة جهاز الشرطة ووزارة الداخلية، والعمل على تشجيع بعض القيادات من داخل الجهاز نفسه لتبنى مثل ذلك المشروع. فقضية الأمن وقيام الجهاز الأمنى برعاية مصالح الشعب قبل النظام من القضايا التى من المفترض أن تلاقى توافقا وطنيا واسعا، وهناك عدة مشروعات لإعادة هيكلة الشرطة، منها مشروع «شرطة لشعب مصر»، يمكن للقوى الثورية تبنيها وبلورة آليات مبتكرة للدفع بها، خطوة بخطوة.

 

كذلك كثرت الانتقادات للقوانين والقواعد المنظمة لانتخابات مجلس الشعب، منها الغياب شبه التام لعملية تنظيم التمويل الانتخابى، ومع ذلك لا نسمع عن مبادرات لتلافى ذلك أو لضمان ظروف أكثر عدلا لعملية الانتخاب عامة، سواء فى انتخابات مجلس الشورى، أو انتخابات الرئاسة أو انتخابات مجلس الشعب التالية. كذلك كثرت الانتقادات للأحزاب السياسية الجديدة لأنها لم تغرس جذورا عميقة فى التربة المصرية بعد، ويتهمها الكثيرون بالنخبوية.

 

●●●

 

علينا كناخبين أن ندفع بهذه الأحزاب، بما فيها حزبا الحرية والعدالة والنور، إلى القيام بواجباتهم تجاهنا والى التطور السياسى. يمكن، مثلا، لأهالى كل دائرة انتخابية تجميع بيانات عن ممثليهم فى البرلمان ومتابعتهم دوريا وتحفيزهم والضغط عليهم لتبنى مبادرات معينة تسارع بإعادة بناء هياكل الدولة ومحاسبتهم عند التباطؤ أو الإخفاق. كذلك بدا فى لحظة ما العام الماضى، أن اللجان الشعبية التى تكونت بصورة تلقائية منذ الثامن والعشرين من يناير وجمعت أبناء الشارع والحى الواحد يمكن البناء عليها لتكوين كيانات جديدة وبديلة تقوم على بلورة وتلبية احتياجات الأهالى. وبالرغم من انفضاض معظم هذه اللجان الا انه ما زال من الممكن إعادة إحيائها للدفع بتشكيل المجالس المحلية الجديدة وانتخاب قيادات محلية حقيقية لهذه المناصب، كما يمكن لهذه القيادات المحلية أن تصب مستقبلا فى هياكل الأحزاب الجديدة فى مختلف أنحاء الجمهورية. هذه النماذج وغيرها ربما لا تحمل نفس رونق أو رومانسية العمل الثورى التقليدى، وقد تطلب عملا دءوبا ومملا، ولكنها قد توفر سبلا للخروج من المأزق الحالى الذى يهدد حلمنا ببناء حياة جديدة فى مصر.

 

دورنا كشعب لا يجب أن يتوقف عند حدود التأييد أو الرفض، بل يجب علينا أن ندفع بصوب التغيير الذى نبتغيه، أن نصنع هذا التغيير أنفسنا لا أن نطالب قوى الثورة المضادة بتحقيقه نيابة عنا ــ وهو ما لا يعقل أصلا!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved