سئمنا العموميات والشعارات!
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
السبت 28 فبراير 2015 - 11:50 ص
بتوقيت القاهرة
خلال السنوات الماضية، لم يتوقف حديثنا عن العدالة الاجتماعية وحتمية تفعيل سياساتها وإجراءاتها وربعنا يعيش تحت خط الفقر والفجوة بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل تواصل الاتساع والخدمات الأساسية فى مجالات السكن والصحة والتعليم والرعاية تسجل المزيد من الابتعاد عن الحدود الدنيا اللازمة للحفاظ على حق الإنسان فى الحياة وفى الكرامة.
غير أن حديثنا المستمر، بفاعلية المتبيانين بين الحكومات المتعاقبة منذ 2011 والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية وبعض الحقوقيين والكتاب والأكاديميين المعنيين بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، لم ينتج إلى اليوم سوى قانون وحيد ــ قانون الحد الأدنى للأجور، والقليل من تحديث سياسات الضمان الاجتماعى والمعاشات، وبعض التعديلات التى أدخلت على المنظومة الضريبية، ولم يتجاوز فى جميع القطاعات الأخرى وثيقة الصلة بمسألة العدالة الاجتماعية إما عموميات البيانات الحكومية والحزبية سريعة الإعلان وضعيفة الإعداد، أو شعبوية رافعى شعارات الحياة اللائقة والمساواة والكرامة الإنسانية لكل المصريات والمصريين دون سياسات بديلة محددة ودون تصورات واقعية للإجراءات والقرارات والممارسات القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والتى يمكن للمواطن وللمجتمع وللدولة تحمل كلفتها.
إلى الحكومة يتعين توجيه النقد الموضوعى بشأن غياب الرؤية الواضحة، وقصور الإجراءات المطبقة بشأن مسألة العدالة الاجتماعية، والنزوع لتنفيذ تعديلات سريعة على منظومة الدعم وسياسات التسعير دون توفير ضمانات حقيقية لتعويض الفقراء ومحدودى الدخل والقطاعات الضعيفة الأكثر احتياجا والأكثر تأثرا بتقلبات أسعار السلع والخدمات الأساسية والأكثر تعرضا للتداعيات السلبية لظواهر البطالة والتضخم، والتعويل الأحادى على إطلاق مشروعات قومية كبرى وتنظيم مؤتمرات للمانحين الإقليميين والدوليين وعلى العودة إلى الممارسات الاقتصادية النيوليبرالية عوضا عن صياغة خطة متكاملة للتطوير الاقتصادى والاجتماعى والصناعة التقدم الشامل والتنمية المستدامة فى موقع القلب منها مسألة العدالة الاجتماعية.
غير أن الموضوعية أيضا تلزم بتوجيه نقد جذرى للأحزاب السياسية وللمجتمع المدنى بأطيافه المتعددة، فالحديث المتواصل عن العدالة الاجتماعية لم يرتب إلى اليوم صياغة بدائل محددة للسياسات والإجراءات المتبعة. لا تحوى برامج الأحزاب، بما فيها برامح الأحزاب العازمة على المشاركة فى الانتخابات البرلمانية والراغبة فى انتزاع شىء من التمثيل التشريعى، رؤى تفصيلية عن سياسات الدعم والأسعار والأجور والضرائب التى ينتظر من تفعيلها تحقيق العدالة الاجتماعية والمزج بينها وبين التنمية المستدامة. ولن يجد المواطن المهتم الكثير من الأفكار الواضحة والإجراءات البديلة المقترحة لدى الأحزاب لإخراج الناس من الفقر، ولتحسين مستويات الخدمات الأساسية والظروف المعيشية، ولتقديم ضمانات متكاملة لرعاية الفقراء ومحدودى الدخل والقطاعات الضعيفة سكنيا وصحيا وبشأن المعاشات وفى حالات العجز والبطالة وتأمين السكن الملائم لغير القادرين. وينسحب ذات النقد على الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية المعنية بالعدالة الاجتماعية فى مساحات المجتمع المدنى، ومعظمها يكتفى بعموميات البيانات السريعة والشعارات محدودة الكلفة اللفظية ومدعية الالتزام بالقيم والمبادئ الإنسانية النبيلة دون توفير إجابات سياسية حقيقية على الموارد الضرورى حضورها والتضحيات التى ينبغى تحملها وتوزيع المهام بين القطاع العام والقطاع الخاص والمبادرات الفردية.
كفانا حديثا فى العموميات، سئمنا اجترار الشعارات. لا عدالة اجتماعية دون رؤى وبرامج محددة، دون سياسات بديلة قابلة للتنفيذ، دون توافق مجتمعى واضح وغير شعبوى لجهة تحمل كلفتها والصبر على التضحيات المطلوبة من كل القطاعات السكانية.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.