من قتل ريجينى؟
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 28 مارس 2016 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
كل أصابع الاتهام تشير إلى تورط أحد أجهزة الأمن فى قتل الباحث الإيطالى الشاب جوليو ريجينى، فحفلة التعذيب التى تعرض لها على مدى عدة أيام قبل أن يلقى حتفه، تحمل بصمة ورائحة الطريقة الكلاسيكية لأجهزة الأمن بالدول المتخلفة، أو التى يراد لها أن تبدو متخلفة، فى انتزاع الاعترافات من ضحاياها، باستخدام الضرب العنيف، وتكسير العظام، ونزع الأظافر، وغيرها من الأساليب الوحشية العتيقة.
عند دوائر سياسية وإعلامية غربية، هناك شبه يقين بتورط أحد أجهزة الأمن فى مصرفى قتل ريجينى، على الرغم من أنه تبين أنه كانت له أنشطة مريبة ذات نكهة استخباراتية غامضة، بسبب تعامله مع معاهد أبحاث ودراسات بريطانية وأمريكية، لها صلات بدوائر المخابرات ومراكز صنع القرار فى هذين البلدين، بالإضافة لكتاباته مقالات بأسماء مستعارة فى صحف إيطالية، وإحساسه العالى بمراقبة أجهزة الأمن المصرية له خلال حضوره ندوات عمالية فى القاهرة، علاوة على حرصه على التعامل مع فئات عديدة فى المجتمع المصرى بشكل يثير الشبهات، وقبل كل ذلك ما تردد بأنه أرسل لجهات بريطانية معلومات سرية، من ضمنها أسماء ناشطين مصريين معارضين للحكومة، وهو الأمر الذى ليس له أى علاقة بطبيعة دراساته الأكاديمية فى مصر لنيل شهادة الدكتوراه.
طبقا لهذه الدوائر الغربية، قد يكون ريجينى قد دفع حياته ثمنا لحماس زائد، وصل لحد التهور، لأحد رجال الأمن المصرى فى انتزاع الاعترافات من ريجينى، فمات بين يديه، ولم يجد حلا سوى إلقاء جثته بدون نصف ثيابه فى ضاحية 6 أكتوبر!
ومع أن هذا السيناريو هو السائد فى الصحف الإيطالية، إلا أنه تنقصه الحبكة الذكية، فقد كان بإمكان الأمن المصرى التخلص من الجثة بطريقة أكثر احترافية، أو إخفائها لعدة أشهر أو سنوات حتى تتحلل، أو حتى تأخير إلقائها فى الشارع لحين مغادرة الوفد الأيطالى الذى كان يزور القاهرة آنذاك لعقد صفقات اقتصادية كبيرة، والذى قطع زيارته لمصر احتجاجا على الحادث، الذى لا تزال تبعاته تعكر صفو العلاقة بين البلدين.
الاحتمال الذى لا يشغل بال البعض فى الغرب لتفسير مقتل ريجينى، هو أن يكون أحد أجهزة المخابرات الأجنبية قد تورط بشكل أو بآخر فى قتل ريجينى لأسباب عديدة، تستهدف ضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما الإساءة لسمعة مصر التى تواجه انتقادات حادة فيما يتعلق بملفات الحريات وحقوق الإنسان، وثانيهما قد يتعلق برغبة هذا الجهاز المخابراتى الأجنبى فى تصفية ريجينى، ربما بسبب قيامه بأنشطة معادية للبلد الذى يتبعه هذا الجهاز، وهو أمر لن يتمكن أحد هنا فى مصر من التوصل إلى فك طلاسمه بسهولة.
أيا كان من قتل ريجينى، فسوف تظل الرويات الغامضة المتعلقة بأنشطته المريبة وموته الدامى، ساحة واسعة لصراعات خفية بين أجهزة مخابرات عديدة، وسوف يبقى حل لغز ريجينى مستحيلا، ما لم تتدخل أجهزة الأمن الإيطالية بشكل كامل فى التحقيقات التى تجريها السلطات المصرية حول الحادث، والتى يجب عليها إثبات أقصى درجات حسن النية فى هذا التعاون، إذا أرادت فعلا أن تبعد شبهة تورطها فى قتل ريجينى.
أما إذا كان مقتله تم على يد أفراد فى الأمن المصرى، فإن علينا أن نتحلى بالشجاعة الكافية للاعتراف بهذه الجريمة البشعة،، ومعاقبة مرتكبيها طبقا للقانون، والشروع فورا فى إصلاحات هيكلية فى منظومة الأمن بكاملها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعتنا!
الدرس القاسى الذى يجب أن نتعلمه من مقتل ريجينى، هو أن أى محاولة لعمل توازن بين الأمن والحرية، مصيرها الفشل الذريع، وسندفع مقابلها ثمنا باهظا ينال من مصالحنا واستقرارنا، وقد يجر علينا عقوبات دولية نحن فى غنى عنها الآن، وسط أزماتنا الاقتصادية والسياسية المتفاقمة، والتى تحتاج إلى عقلية مختلفة لمواجهتها.