سيناريوهات كورونا واستراتيجية الدعم الاقتصادى
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 28 مارس 2020 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
كيف يمكننا فى ظل الظروف الحالية دعم الغلابة والفئات الأكثر تضررا فى المجتمع المصرى؟ هذا السؤال ليس دعوة للبحث عن طرق للتصدق أو العطف أو الإحسان لمئات الآلاف من العمالة المصرية غير الرسمية والتى تشكل نسبة يعتقد أنها كبيرة من الاقتصاد غير الرسمى والذى بدوره يمثل أحد أوجه الاقتصاد المصرى، ولكن السؤال المطروح هنا هو البحث عن طرق للتفكير فى تحمل المسئولية الصعبة تجاه مواطنين مصريين وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل بسبب الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الحكومة المصرية فى مواجهة انتشار وباء كورونا.
من حيث المبدأ، فكاتب هذه السطور من مؤيدى كل الإجراءات التى اتخذتها الحكومة المصرية فى مواجهة الأزمة، فإجراءات إغلاق القهاوى والكافيهات والمطاعم والمدارس والأنشطة والفاعليات العامة بالإضافة إلى حظر التجول كلها صحيحة ولم يكن من الممكن التأخر عنها وإلا واجهنا ما لا يحمد عقباه.
وفى هذا السياق لابد أن يعرف الجميع أن معضلة البطالة والركود والكساد نتيجة للأزمة الحالية ليست قاصرة على مصر، ولكنها طالت كل دول العالم تقريبا وخاصة الدول التى تعتمد على قطاع كبير من العاملين لبعض الوقت Part Time ممن لا يملكون عقودا ولا معاشا ولا تأمينات ولا مرتبا ثابتا، ولكنهم يعتمدون على قوت يومهم بحسب عدد ساعات العمل، ومن هنا فلا يجب أن يناقش هذا الأمر بحساسية فى مصر أو أن يتم تسييسه كما فعل البعض، فالقطاعات غير الرسمية أو الموسمية أو المؤقتة للأنشطة الاقتصادية توجد فى عدد كبير من دول العالم ولكن قدرة الدول على المعالجة تختلف من دولة لأخرى بحسب قوة الاقتصاد.
***
خصصت الولايات المتحدة الأمريكية مثلا مبلغ ٢ تريليون دولار لمواجهة الكارثة الحالية وتحفيز الاقتصاد وتجنب انهيار شامل محتمل، جزء كبير من هذا المبلغ مخصص لمساعدات البطالة وخصوصا ممن فقدوا أعمالهم بسبب الحظر أو الإغلاق والذى تسبب فى تسريح مئات الآلاف من العاملين فى المطاعم والبارات والمحلات التجارية... إلخ يضاف إلى ذلك عشرات الآلاف من المتوقع أن يفقدوا وظائفهم فى القطاع الخاص حال عدم تجديد عقودهم، أو ممن فقدوا بالفعل وظائفهم خلال الأسابيع القليلة الماضية.
فى مصر، انتشرت الكثير من المقاطع المصورة لعمال يشتكون من وقف الحال وتضررهم من الإجراءات التى تم اتخاذها ويطلبون من الحكومة مساعدتهم. كل هذه المقاطع متشابهة تقريبا فى محتوى الشكوى، هؤلاء يعملون باليومية أو «الأسبوعية»، يعولون أسرهم المكونة فى بعض الأحيان من ٧ أو ٨ أشخاص، أعمالهم تتنوع بين النقاشة والنجارة وتصنيع الأحذية أو تجارة الشارع، أو يعملون فى القهاوى والكافيهات والمطاعم الشعبية وقطعا ليس لديهم معاشات أو مدخرات، بالإضافة أن معظمهم لديه التزامات مادية ما بين أقساط وإيجار وفواتير الكهرباء والمياه والغاز... إلخ. يشتكون من أن رمضان على الأبواب ولا يعلمون كيف يدبرون مصاريف الشهر الكريم.
فى الحقيقة ليس لدى فكرة عن العدد الدقيق لهؤلاء، ظنى أنهم مئات الآلاف وقد يكونون أكثر أو أقل ولكن فى كل الأحوال أثق أن الأعداد كبيرة للغاية وأشعر وأتفهم تماما ما يعانون منه وأتفهم بل وأؤيد قرارات الحكومة فالعالم كله يمر بهذه المعضلة، هل نحافظ على الإجراءات الوقائية ونعانى من الأزمات الاقتصادية أم هل نعيد الحياة إلى طبيعتها ونأخذ مخاطرة «مناعة القطيع»؟ الفكرة الأخيرة مختلف عليها بين العلماء حيث يرى البعض أن أزمة الفيروس قد تطول وبالتالى لابد من ترك الناس للتفاعل وتكوين مناعات جماعية قد يكون لها ضحايا بالفعل ولكن ما باليد حيلة! وفريق علمى آخر يرى أن الموضوع به مخاطرة كبيرة لأن وتيرة انتشار الفيروس وطرق تحوره المحتملة قد تسبب كارثة كبرى لو تركنا الناس فى العودة إلى الاختلاط وممارسة حياتهم الطبيعية!
وجهة نظرى أن فكرة «مناعة القطيع» بها مخاطرة كبيرة جدا ولا أحبذ أبدا اتخاذ هذه المخاطرة على الأقل فى الأجل القصير تجنبا لكوارث أكبر. نحن أمام سنياريوهين بحسب التوقعات العلمية، السيناريو الأول المتفائل أن ذروة الوباء ستكون فى شهرى إبريل ومايو على أن يبدأ فى الانتشار ببطء أو حتى فى الانحسار بداية من يونيو ومن ثم فيمكن للدول أن تفكر فى استراتيجيات للتعامل مع الوضع الاقتصادى لمدة شهرين أو ثلاثة فقط وبعدها تبدأ الحياة فى العودة إلى طبيعتها، أما السيناريو الثانى هو أن يستمر انتشار الوباء دون توقف وبنفس المعدلات السريعة خلال الصيف ووقتها الأمل هو أن يكون العلماء قد توصلوا للقاح القضاء عليه أو لن يكون أمام كل دول العالم، الفقير منها والغنى سوى اللجوء إلى سياسة مناعة القطيع!
بعبارة أخرى، علينا فى مصر تجهيز استراتيجية اقتصادية للتعامل مع الأوضاع المعيشية خلال شهرى إبريل ومايو وربما يونيو وبعدها إما أن تتحسن الأوضاع أو أن يتم اكتشاف لقاح فعال وإن لم يحدث كل ذلك فلن يكون أمامنا سوى إعادة الحياة إلى طبيعتها فى الصيف فى انتظار ما ستسفر عنه تجربة المناعة الجماعية!
***
فى هذا السياق أرى أن على الحكومة بالتعاون مع رجال الأعمال والمجتمع المدنى والأهلى على المستويات المحلية وضع استراتيجية دعم اقتصادى للفئات الأكثر تضررا من الأوضاع خلال الشهرين أو الثلاثة القادمة وذلك على النحو التالى:
أولا: أن تقوم الحكومة بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام وتأجيل أى مشاريع متعلقة بالبنية التحتية أو الأنشطة العقارية مؤقتا بحيث يكون بندا الصحة والدعم الاقتصادى على رأس الإنفاق العام خلال هذه الفترة على أن تدبر الحكومة معاشا استثنائيا للفئات الأكثر تضررا لتعويضها عن عدم العمل إلى أن تعود الحياة إلى طبيعتها. على الحكومة أيضا فى هذه الفترة أن تؤجل كل فواتير الكهرباء والغاز والمياه لهذه الفئات على أن تعيد جدولة وتوزيع قيمة فواتير هذه الفترة على مدى عام أو اثنين بعد انتهاء الأزمة.
ثانيا: أن يقوم رجال الأعمال بالتعاون مع الدولة بتدشين صندوق جديد أو إعادة ضخ الأموال فى صندوق «تحيا مصر» من أجل مساندة الدولة فى توفير هذه المعاشات الاستثنائية وكذلك على القطاع الخاص عدم المساس بالعاملين لديه سواء بالتسريح الدائم أو المؤقت أو خصم أو إيقاف المرتب خلال هذه الفترة حتى لا تزداد الأعباء على المجتمع والدولة حال المساس بهم.
ثالثا: على المجتمعين المدنى (الجمعيات المسجلة رسميا فى وزارة التضامن الاجتماعى) والأهلى (المقتدرين من قاطنى الأحياء الشعبية أو المدن التى تسكنها الطبقات الوسطى ودون الوسطى، الجمعيات الشرعية المسجلة والمساجد والكنائس... إلخ) حصر الطبقات الأكثر تضررا لمساعدة الدولة فى تحديد أعداد هؤلاء بدقة وضمان أن مستلم المعاش الاستثنائى مستحقه بالفعل، كذلك عليهم تقديم الدعم النقدى والعينى للمحتاجين خلال هذه الفترة حتى نعبرها بسلام.
هذه الأفكار مجرد طرح فردى وقد يكون هناك أطروحات أخرى عند الحكومة أو رجال الأعمال أو المجتمعين المدنى والأهلى، المهم أن تكون هناك استراتيجية عاجلة للتعامل مع هذا الوضع بشكل استثنائى مدة شهرين أو ثلاثة حتى تتضح الأمور ويمن الله على العالم باكتشاف العلاج والشفاء وبعدها يكون لكل حادث حديث.
أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر.
الاقتباس
علينا فى مصر تجهيز استراتيجية اقتصادية للتعامل مع الأوضاع المعيشية خلال شهرى إبريل ومايو وربما يونيو وبعدها إما أن تتحسن الأوضاع أو أن يتم اكتشاف لقاح فعال وإن لم يحدث كل ذلك فلن يكون أمامنا سوى إعادة الحياة إلى طبيعتها فى الصيف فى انتظار ما ستسفر عنه تجربة المناعة الجماعية!