تهذيب تفاعلات أطفالنا


رضوى أسامة

آخر تحديث: الخميس 28 أبريل 2011 - 9:58 ص بتوقيت القاهرة

  بينما كنت أجلس فى انتظار دورى للكشف فى عيادة الأمراض الصدرية، كنت أراقب مجموعة من الأطفال فى عيادة الطبيب والذين إما جاءوا للكشف أو فى صحبة ذويهم ممن يتعالجون، العيادة كان بها أربعة أطفال بين سن الخامسة والسابعة. كنت أراقبهم باستمتاع شغلنى طيلة ثلاث ساعات بقيت فيهم لانتظار دورى.

كنت منشغلة بمراقبة تعامل الأهل معهم ومدى امتثالهم للأوامر وتفاعلاتهم مع بعضهم البعض. فى البداية كان هناك طفلان فى غاية الشقاوة، أخذا يلعبان فى العيادة بسيارة أحدهما التى تحولت بعد فترة قصيرة جدا إلى كرة يتباريان فى قذفها وصدها بينهما.

أكثر ما أثارنى فى الطفلين هو قدرتهما على التفاعل وتكوين صداقات، وهو الأمر الذى أدهشنى وطمأننى عليهما، فلم تمر دقيقتان إلا واشتبك الطفلان فى اللعب معا، ويشعر من يراهما أنهما يعرفان بعضهما البعض من فترة.

جلست أراقب ما حدث من تفاعل بين الطفلين وكيفية عقد الصداقة بينهما، وبينما كنت أراقبهما إذا بولد ثالث له حضور ضعيف يجلس ليراقبهما ولا يتفاعل معهما نهائيا، رغم أنهما كانا يلعبان بحرية فى العيادة، لكنه لم يدخل كطرف ثالث فى هذه اللعبة. كان يجلس وحيدا مع كيس الشيبسى الذى يتناوله مراقبا للطفلين غير قادر على عقد صداقة معهما، بدا على الطفل أنه فقير فى مهاراته الاجتماعية مقارنة بالطفلين الآخرين، أريد أن أتوقف قليلا عند هذا النوع من الفقر فى المهارات الاجتماعية الذى بدا مرضيا للأم بشدة والتى جلست هى الأخرى طيلة الثلاث ساعات عاقدة يديها على رجلها منتظرة لدورها، وطفلها جالس بجوارها يأكل من كيس الشيبسى ويراقب الطفلين.

لم أكن أعرف ما الذى يدور بذهن الطفل وهو يشاهد هذا المشهد، هل كان يريد مشاركة الطفلين فى لعبهما؟ هل كان يشعر بثقل حضوره كما كنت أشعر به أنا؟ الأمر كان محيرا وذكرنى بحوار طفلة فى العيادة، «هما مش بيحبوا يلعبوا معايا»، كانت تصف لى مشاعرها عندما يتم استثناؤها من اللعب مع أصحابها، فلم تكن أبدا طرفا ثالثا.

الأمر يحتاج لتدريب، أن تدرب طفلك على أن يذهب لمجموعة من الأطفال ويطلب منهم اللعب معهم، أتذكر وأنا طفلة صغيرة مشهدا بدا مكررا فى خروجات العائلة: نذهب إلى النادى، أطل حولى لأرى الأطفال الذين هم فى مثل عمرى، أركز عينى على الهدف، طفلة وحيدة مع أبويها، أذهب إلى المنضدة التى يجلسون عليها وأنطلق فى عبارة «ممكن نلعب مع بعض»، وهو تدريب بسيط يمكن للأم أن تعلم طفلها أن يجريه مع الغرباء تحت قيادتها، أعرف أمهات تذهب لمنضدة الطفل وترجوه أن يلعب مع طفلها وفى بعض الأوقات تحاول الأم الأخرى إقناع طفلها باللعب مع الطفل الأول.

نحتاج أن ندرب أطفالنا على المبادأة وكيفية تكوين صداقات وتفاعلات اجتماعية غير ضاغطة، ولا نقوم بدورهم أبدا، بل نترك لهم الفرصة للقيام بذلك. نعود مرة أخرى إلى عيادة الطبيب والأطفال الأربعة، الطفلة الثالثة كانت أنثى تبلغ من العمر نحو خمس سنوات، بدت لى متحدثة ولبقة ومتفاعلة بشكل كبير مما كان يزعج والدتها التى لا تشجع فيما يبدو هذا الكم من التفاعل. وأخذت تتحدث مع الجالسين بجوارها وتشكو ثرثرة طفلتها الزائدة وتصفها بالمزعجة الشديدة. فى الحقيقة، كنت لا أرى فى الطفلة أى إزعاج مقارنة بالطفلين اللذين استخدما السيارة ككرة وعلت صيحاتهما كلما مسكها أحدهما.

بدت الطفلة خجلة من وصف أمها لها، كانت تعليقات البنت ذكية وتروقنى تماما، وكنت أريد أن أنهر أمها وأعلمها أن الصورة الذاتية التى يكتسبها الطفل عن نفسه هى ما تقوله له الأم طوال الوقت، فإذا كنت ترددين أنها سخيفة ومزعجة، ستظل البنت تعتقد أنها سخيفة ومزعجة، والبنت بدت عكس ذلك تماما إذ لمحت فيها سمات إبداعية ونقدية هائلة.

الأمهات يملن إلى عدم إزعاج أنفسهن، الثلاث ساعات التى قضيتها فى العيادة كانت مملة بالفعل، إذا تركت بلا أى نشاط، كيف تريد الأمهات أن يجلس أطفالهن بهدوء طيلة هذا الوقت صامتين، الأم الوحيدة التى بدت راضية على طفلها هى أم الطفل الذى يفتقر إلى المهارات الاجتماعية الذى جلس طيلة الثلاث ساعات ممسكا بكيس الشيبسى ولم يتحرك نهائيا. وهذا النوع من الأمهات مشجع على المرض ومثير للتفاعلات السلبية ويكون بيئة خصبة لفقر المهارات الاجتماعية، فلنشجع أبناءنا على مزيد من التفاعلات الاجتماعية الإيجابية ونهذب التفاعل الزائد بدلا من أن نكبته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved