29 مارس أطول انقلاب على الديمقراطية فى التاريخ المصرى

عماد أبو غازي
عماد أبو غازي

آخر تحديث: الأحد 29 أبريل 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كان يوما 28 و29 مارس 1954 يومين حاسمين فى تاريخ مصر، ففيهما تم القضاء على الحياة الديمقراطية ووضعت أسس الدولة الاستبدادية التى ما زالت قائمة إلى الآن.

 

كانت القوى المدافعة عن الديمقراطية تشعر أنها أصبحت على مقربة من تحقيق الانتصار، وأن فجرا جديدا للديمقراطية فى مصر يوشك أن يولد، ديمقراطية بلا ملك، ديمقراطية تقود إلى تحقيق الاستقلال الكامل وتنهى سبعين عاما من الوجود البريطانى فى مصر، كان من المقرر أن يكون يوم 28 مارس 1954 يوما للإضراب العام، كما قررته نقابة المحامين وتجمعات أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية والجبهة الطلابية، وكان من المعلن أن تنضم إلى الإضراب النقابات العمالية بما فيها نقابة النقل المشترك، كان الهدف واضحا إنهاء الحكم العسكرى فورا وعدم الانتظار حتى 24 يوليو 1954، وتشكيل حكومة مدنية انتقالية تجرى الانتخابات، ومحاسبة المسئولين عن الانتهاكات التى تعرض لها المعتقلون فى السجن الحربى.

 

 

 كانت نقابة النقل المشترك هى الطريق لتحقيق كل فريق لهدفه، فريق أنصار الديمقراطية، وفريق أنصار الدولة الاستبدادية، كانت هناك اتصالات بين القوى الديمقراطية وقادة نقابة النقل المشترك التى تضم عمال شركات الأتوبيس الكبرى لإقناعهم بالانضمام لحركة الإضرابات العمالية التى ستشترك فيها معظم النقابات العمالية التى كان الاتجاه الغالب فيها تأييد الديمقراطية، وأهمية هذه النقابة أن إضراب عمالها سيشل حركة المواصلات فى العاصمة تماما، لكن رئيس اتحاد نقابات النقل المشترك الصاوى أحمد الصاوى توجه إلى مقر هيئة التحرير والتقى اثنين من ضباط الصف الثانى المسئولين عن النقابات العمالية، وهما الصاغ أحمد طعيمة والصاغ إبراهيم الطحاوى وأبلغهما بمحاولات جذب النقابة إلى الإضراب المؤيد لعودة الديمقراطية، وكانت هناك بعض القيادات النقابية الأخرى التى تؤيد ما كان يسمى «استمرار الثورة»، فتم الاتفاق على تحويل الإضراب والاعتصام من تأييد الديمقراطية إلى المطالبة بإلغاء قرارات 5 و25 مارس، وتم اختيار الصاوى محمد الصاوى زعيما للحركة، ودار اتحاد النقل المشترك مقرا لها.

 

وبالفعل بدأ الاعتصام فى السابعة والنصف مساء، وتم استدعاء مجالس إدارات النقابات العمالية لاتخاذ موقف جماعى، إلى هنا والأمر يندرج تحت الصراع السياسى المعتاد الذى تتعدد فيه المواقف وفقا لمصالح الأطراف المختلفة، لكن المؤامرة بدأت هنا عندما بدأت الإذاعة المصرية تذيع بيانات صادرة عن النقابات العمالية تعلن فيها الاعتصام والإضراب عن الطعام وعن العمل حتى تتحقق مجموعة من المطالب؛ أولها عدم السماح بقيام الأحزاب، واستمرار مجلس قيادة الثورة فى مباشرة سلطاته حتى يتم جلاء المستعمر، وتشكيل هيئة تمثل النقابات والروابط والاتحادات والجمعيات والمنظمات تساند مجلس قيادة الثورة، وتعرض عليها قرارته قبل إصدارها، وأخيرا عدم الدخول فى معارك انتخابية.

 

 المشكلة هنا ليست فى محتوى المطالب التى تعنى تصفية الحياة الديمقراطية فى مصر تماما، لكن المشكلة الحقيقية أن النقابات العمالية لم تصدر هذه البيانات، ولم توافق عليها بل لم تعرض عليها أصلا، وإن الإذاعة المصرية شاركت فى مؤامرة ضد الديمقراطية بتزوير بيانات باسم النقابات العمالية وإذاعتها فى محاولة لإظهار أن الحركة العمالية ضد عودة الديمقراطية، بخلاف الحقيقة.

 

الأمر الثانى أن نقابة عمال الترام التى رفضت المشاركة فى إضراب لتصفية الديمقراطية بفضل دور العامل النقابى اليسارى محمود فرغلى تعرض العاملين فيها وبعض قادتها للاعتداءات، ويروى الدكتور عبدالعظيم رمضان تفاصيل ما حدث فيقول: «أمكن إيقاف مركبات الترام بالقوة بواسطة عناصر وقفت فى مجموعات فى شارع عبدالعزيز أمام مبنى دار الاتحاد لقذف المركبات بالطوب وتكسيرها، وفى العباسية وغيرها، وضرب محمود فرغلى ضربا مبرحا بواسطة عناصر عمالية وبوليسية، وفى الساعة الثامنة صباحا كان الشلل قد شمل جميع وسائل المواصلات».

 

وبدأت النقابات العمالية تتنبه للمؤامرة التى تحاك باسمها فأصدرت مجالس إدارات عدد من نقابات العمال التى أذيعت بيانات كاذبة باسمها فى الإذاعة المصرية بيانا تعلن فيه حقيقة موقفها وتنفى ما نسب إليها كذبا.

 

كما اجتمعت الجمعيات العمومية لجميع نقابات عمال الإسكندرية وأصدرت قرارات بإلغاء الأحكام العرفية فورا، وحل مجلس قيادة الثورة، وإطلاق الحريات العامة، والإفراج عن المعتقلين، واستنكار المحاولات المكشوفة لتسخير بعض النقابات، والإفراج عن جميع العمال المعتقلين، وإقامة الاتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية، وقد وقعت البيان عشر نقابات عمالية بالإسكندرية منها نقابة النقل المشترك.

 

وفى نفس الوقت أصدرت نقابات عمال مصر بيانا رفعته إلى رئيس الجمهورية بتأييد قرارات 25 مارس، والمطالبة بإلغاء الأحكام العرفية، ووقعت على البيان ثلاث عشرة نقابة عمالية وحرفية.

 

وأصدرت اللجنة التأسيسية السياسية العمالية بمصر بيانا دعت فيه لتشكيل حكومة مدنية تقود البلاد نحو حياة ديمقراطية سليمة.

 

إذن كان موقف القطاع الأساسى من الحركة العمالية منحازا إلى جانب الديمقراطية، لكن المجموعة الصغيرة من القيادات النقابية التى قررت أن تتحالف مع جبهة أعداء الديمقراطية نجحت بمساندة مجموعات من ضباط الصف الثانى فى تنظيم الضباط الأحرار من القضاء على إمكانات تحقيق الديمقراطية فى مصر، فقد قام الصاغ مجدى حسنين الذى كان مشرفا على مشروع مديرية التحرير فى تحريك العاملين فى المشروع إلى القاهرة للانضمام إلى القوى المعادية للديمقراطية، كذلك تحرك البكباشى أحمد أنور قائد الشرطة العسكرية بثقله كما يذكر عبدالعظيم رمضان فى كتابه «عبدالناصر وأزمة مارس 1954» ليساعد الحركة بعد أن تردد اسمه فى اجتماع الجمعية العمومية للمحامين كمسئول عن الاعتداءات على المعتقلين فى السجن الحربى ليحول بأى ثمن دون عودة الحياة الديمقراطية.

 

وبالفعل تم فى يوم 29 مارس توجيه مظاهرة حاشدة إلى مجلس الدولة قامت بالاعتداء بالضرب على رئيسه الدكتور السنهورى الذى كان يرأس اجتماعا للجمعية العمومية لمجلس الدولة.

 

فى هذا الوقت اقترح أنصار نجيب فى الجيش عليه أن يتدخلوا لحسم الموقف بالقوة لصالحه ولصالح عودة الديمقراطية، اقترح عليه ذلك قائد حرسه محمد رياض، كما توافد على منزل الرئيس نجيب أعداد من الضباط المؤيدين له، منهم قائد حامية القاهرة أحمد شوقى، وأبدوا استعدادهم للتحرك ضد مجلس الثورة، لكن نجيب رفض، فقد كان يخشى من صراع داخل الجيش، وفى نفس الوقت لا يرى إعادة الديمقراطية بانقلاب عسكرى، كان يراهن على قدرة الشعب وقواه الديمقراطية على حسم المعركة.

 

وهنا كانت الكفة قد رجحت لمعسكر أعداء الديمقراطية فاجتمع مجلس قيادة الثورة يوم 29 مارس 1954، وقرر تحمل المسئولية كاملة مع احتفاظ الرئيس نجيب بمنصبه رئيسا للجمهورية ورئيسا لمجلس الوزراء، وجاءت القرارات فى صيغة غائمة، تتضمن تشكيل مجلس وطنى استشارى يراعى فيه تمثيل الطوائف والهيئات والمناطق المختلفة، وإرجاء تنفيذ قرارات 5 و25 مارس 1954 إلى حين نهاية فترة الانتقال التى لم تنتهِ إلى الآن!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved