المتربصون بسوريا
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 28 أبريل 2012 - 9:30 ص
بتوقيت القاهرة
بعد مرور أربعة عشر شهرا على اندلاع الثورة فى سوريا، بات واضحا أن الشعب السورى عاقد العزم على الاستمرار فى انتفاضته مهما كلفه ذلك من تضحيات. وضح أيضا مدى استماتة النظام فى المحافظة على بقائه باستخدام كل ما تحت أيديه من وسائل. والواقع أنه مع سقوط كل شهيد جديد تتسارع وتيرة العد التنازلى المفضى إلى انتهاء صلاحية ذلك النظام.
إذن فتضحيات الشعب لم تذهب هباء، كما أن مرور الوقت لم يخدم النظام، بل نحر فى بنيانه نحرا. على امتداد الفترة الماضية تم تضييق الخناق على الحكم فى سوريا، إما بالعزل السياسى والدبلوماسى، أو بفرض المقاطعة، أو بتوقيع العقوبات. آخر حلقات ذلك الحصار تمثل فى نجاح جامعة الدول العربية فى التوصل إلى صيغة غير مسبوقة تجمع بين جهد منظمة إقليمية وجهد المنظمة الدولية، وذلك فى اختيار مبعوث مشترك له وزنه ومصداقيته، وإصدار قرار جماعى من مجلس الأمن يدعمه ويتبنى خطته.
●●●
وحتى لا يتسرب اليأس إلى النفوس بأنه ربما نكون قد جانبنا الصواب، أو أن الوقت يمر دون أن نرى بارقة لأمل، سيكون من المفيد أن نعدد ما تحقق خلال الفترة الماضية من إنجازات تصب فى مصلحة الشعب السورى:
أولا: نجح المبعوث المشترك فى الحصول على «تفهم» أطراف فاعلة لأهداف مهمته، وضمان عدم وضع العراقيل فى طريقها، على الأقل فى المرحلة الحساسة الحالية. كان لابد أولا من الحصول على التأييد من روسيا والصين علاوة على إيران، وهى الدول التى حرص المبعوث على زيارتها فى بداية مهمته.
ثانيا: أصدر مجلس الأمن قرارا يحدد فيه كيفية التعامل مع الأزمة، وذلك بإجماع أعضائه وللمرة الأولى منذ اندلاعها.
ثالثا: وحتى لا يتم تقويض مهمة المبعوث المشترك وهى مازالت فى مهدها، تجنب القرار أى تلميح للخيار العسكرى فى التعامل مع الأزمة. كما ظهر ذلك واضحا فى تصريحات المبعوث وفى نقاطه الست التى تبناها مجلس الأمن. والواقع أنه على الرغم من الضغوط التى مارستها أطراف بعينها ــ لا أعلم ما إذا كانت تتصرف بطريقة غير مسئولة أو نتيجة لقصر نظرها ــ لم يصدر عن مؤتمرى أصدقاء سوريا اللذين عقدا فى تونس وإسطنبول على التوالى، أى إشارة إلى الخيار العسكرى أو تسليح المعارضة. لذلك فإن المؤتمرين وكذلك قرار مجلس الأمن قد أزاحوا ــ ولو إلى حين ــ شبح حرب أهلية قد تقضى على الأخضر واليابس، وتدفع بالقطع أطرافا خارجية من دول الجوار إلى محاولة الاصطياد فى الماء العكر.
رابعا: وحتى لا يتم «وأد» مهمة المبعوث قبل أن ترى النور، حرص المبعوث فى خطته إلى إشراك الحكومة السورية فى الحل، حيث نص البند الأول فى مبادرته التى تبناها مجلس الأمن على «الالتزام بالعمل مع المبعوث فى عملية سياسية شاملة تقودها سوريا». كما أكد اجتماع اللجنة الوزارية الأخير فى الدوحة هذا التوجه بالإشارة إلى دعوة جميع أطراف المعارضة إلى اجتماع، تمهيدا لإطلاق حوار سياسى شامل بين «الحكومة» وأطياف المعارضة السورية.
خامسا: هناك سقف زمنى لمهمة المبعوث المشترك، فمجلس الأمن نص فى قراره على التفكير فى إجراءات جديدة إذا لزم الأمر (ربما يكون فى ذهن الغرب اللجوء فى مرحلة معينة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو الأمر الذى ستعترض عليه روسيا بالطبع). رسالة واضحة إلى النظام السورى بأن المجلس ليس فى حالة تمكّنه من قبول التسويف. أما اللجنة الوزارية العربية فقد حرصت بدورها على التأكيد على دعمها لمهمة المبعوث «وفق إطار زمنى محدد».
سادسا: لا شك أن وجود مراقبين أمميين على الأرض السورية يمثل نقلة نوعية لما سبق، وذلك بسبب طبيعة الوسائل التى ستكون تحت تصرفهم، بالإضافة إلى الأعداد، والخبرات المكتسبة السابقة.
سابعا: لم يتم السماح باحتكار طيف واحد من أطياف المعارضة السورية لحق تمثيل الشعب السورى. فعلى عكس الانطباع الذى تكّون لدى البعض بعد مؤتمر أصدقاء سوريا الذى عقد فى إسطنبول بأن المؤتمر قد اعترف بالمجلس الوطنى السورى كممثل شرعى وحيد للشعب السورى، أسقط البيان الصادر عن المؤتمر كلمة «الوحيد» واكتفى بالاعتراف بالمجلس كممثل شرعى وكمظلة تجتمع المعارضة تحت لوائها. والواقع أنه لم تمض إلا أيام قليلة على انعقاد مؤتمر إسطنبول، إلا وكانت موسكو تستقبل فصيلا آخر من فصائل المعارضة السورية هى «هيئة التنسيق الوطنى» وأهم من ذلك كله أن اللجنة الوزارية العربية المعنية بالوضع فى سوريا والتى اجتمعت فى الدوحة يوم 17 إبريل الحالى قامت بتكليف الأمين العام للجامعة بدعوة «جميع أطياف المعارضة» إلى الاجتماع بمقر الجامعة قبل نهاية الشهر الحالى.
●●●
تلك هى أهم الإيجابيات التى تحققت للآن، من خلال تضحيات الشعب السورى ومن خلال الجهود الإقليمية والدولية. غير أنه لا بد من الاعتراف بظهور توجهات سلبية تكشف عن وجود أطراف تتربص بسوريا، وبالقطع لا تريد الخير لشعبها. نسمع من ناحية عن قيام بعض الأطراف بتقديم السلاح والعتاد لبعض قوى المعارضة، بحجة حاجة الشعب السورى للدفاع عن النفس. يغفل هؤلاء أنه فى هذه المرحلة الدقيقة فإن الالتجاء لهذه الوسائل لا يمكن أن يخدم مهمة المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية والتى تهدف أولا وقبل كل شىء إلى «وقف القتال وأعمال العنف المسلح بجميع أشكاله ومن قبل جميع الأطراف». كلام واضح لا لبس فيه نصت عليه النقطة الثانية من نقاط كوفى أنان الست.
وإليك مثال آخر عن هذا النهج المعاكس الذى تلجأ إليه أطراف أخرى لتحقيق مآرب معينة. قبل أيام قليلة وبعد قذف سورى طال الحدود السورية ــ التركية ومعسكرات اللاجئين السوريين الموجودة على الأراضى التركية، تحدث رئيس وزراء التركى عن مسئولية حلف الأطلنطى فى حماية حدود بلاده باعتبار عضويتها بالحلف. كما أشار أردوجان إلى إمكانية قيام تركيا بطلب تطبيق المادة الخامسة من ميثاق الحلف والتى تعتبر أن أية هجوم على دولة من دوله بمثابة هجوم على كل أعضاء هذا الحلف.
ومثال ثالث يكشف عن الكثير ويفضح حقيقة النوايا. اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون فى بروكسل يوم 18 أبريل الحالى بأن الولايات المتحدة لا تقوم بإمداد المعارضة السورية بأسلحة فتاكة ــlethal arms ــ إنما تقوم فقط بإمدادها بمعدات لوجستية وأجهزة اتصال ومساعدات أخرى لم تفصح عن طبيعتها. تطور خطير لا يمكن التقليل من شأنه. أضف إلى ذلك أن وزيرة الخارجية كلينتون وفى نفس التصريح المشار إليه ذكّرت الجميع ــ ولها كل الشكر ــ أن الصراع الدائر فى سوريا إنما يجرى على حدود حلف الناتو!! ثم عادت فأكدت فى مؤتمر محدود لبعض أصدقاء سوريا عقد فى باريس يوم 19 الحالى أن تركيا قد بحثت بالفعل مع الناتو إمكانية تفعيل ميثاقه، بعد الهجمات السورية الأخيرة عبر الحدود مع تركيا. ومفهوم أن الالتجاء إلى الناتو سيغنى عن الالتجاء لمجلس الأمن إذا ما قرر الحلف التدخل.
●●●
الواقع أن التدخل العسكرى فى سوريا لن يكون بمثابة نزهة، وأى صورة من صور مثل هذا التدخل سواء بالإمداد بالسلاح، أو بإقامة مناطق آمنة، أو ممرات لتوصيل المعونات الإنسانية، أو فرض حظر طيران فوق مناطق معينة، لن يؤدى فقط إلى إطالة أمد أية مواجهات عسكرية، ومن ثم تدهور الموقف بالمزيد فى سوريا، بل ستعانى من تداعياتها على الفور بعض دول الجوار، أما البعض الآخر من دول الجوار أيضا فقد تنفتح شهيتها للتدخل، الأمر الذى يدفع بالمنطقة كلها نحو المجهول.
أمام كل هذه المخاطر، لابد للأطراف التى تحرص على مصلحة الشعب السورى، أن تتصدى لمثل هذه التوجهات أو الأعمال المشبوهة، وأن تلقى بكل ثقلها وراء المبعوث الدولى المشترك من أجل إنجاح مهمته بكل عناصرها وأبعادها.